ذكـاء طبيـب
كان الحكيم الأجلّ رشيد الدين أبو حليقة أوحد زمانه في صناعة الطب، وقد خدم الملك الكامل ثم ولده الملك الصالح أيوب، ثم ولده الملك المعظم تورانشاه. ومن نوادره أنه جاءت إليه امرأة من الريف، ومعها ولدها، وهو شاب قد غلب عليه النحول والمرض. فشكت إليه حال ولدها، وأنها قد أعيت فيه من المداواة، وهو لا يزداد إلا سقاماً ونحولاً. فنظر رشيد الدين إليه، واستقرأ حاله، وجسّ نبضه. فبينما هو يجس نبضه قال لغلامه، (وكان الوقت بارداً): ادخل ناولني الفرجية حتى أجعلها عليّ. فتغير نبض الشاب عند قوله تغيراً كثيراً، وتغيرّ لونه. فحدس رشيد الدين أن يكون عاشقاً. ثم جسّ نبضه بعد ذلك فوجده قد سكن. وعندما خرج الغلام إليه وقال له: هذه الفرجية، جسّ نبضه فوجده قد تغير. فقال لوالدته: إن ابنك هذا عاشق، والتي يهواها اسمها فرجية. فقالت: إي والله يا مولاي! هو يحب واحدة اسمها فرجية. وتعجبت من قوله لها غاية التعجب، ومن اطلاعه على اسم المرأة من غير معرفة متقدمة له لذلك.
من كتاب "طبقات الأطباء" لابن أبي أصيبعة