في القوانين العراقية القديمة والشريعة الإسلامية
والفقه الجنائي والقوانين الوضعية وأحكام القضاءالعراقي
وليـد محمد الشبيـبي المحـامـي
بغداد – 1421 هـ - 29/11/2000
(تم تقديم هذا البحث في دورة توسيع الصلاحية للمحامين التي فتحت
في نقابة المحامين العراقيين أواخر عام 2000 وحاز على تقدير امتياز)
المحتويات
الـمــوضــــــوع
مـقــدمــــة
المبحث الأول: جريمة القتل في القوانين العراقية القديمة
جريمتا القتل العمد والقتل الخطأ في القوانين العراقية القديمة
المبحث الثاني: جرائم القتل العمد وشبه العمد والقتل الخطأ في الشريعة الإسلامية
المبحث الثالث: جريمتا القتل العمد والقتل الخطأ في الفقه الجنائي
المبحث الرابع: جريمتا القتل العمد والقتل الخطأ في القوانين الوضعية
في قانون العقوبات العراقي النافذ
المبحث الخامس: أمثلة عن جرائم القتل العمد والقتل الخطأ في أحكام القضاء العراقي
المـراجـــــــع
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
ان
الجرائم الماسة بحياة الإنسان ونعني بها هنا جرائم القتل العمد والقتل
الخطأ، من الجرائم المعروفة منذ أقدم العصور كما ان التشريعات في الوقت
الحاضر تعالجها في العديد من النصوص ويقع على رأس الجرائم من حيث الخطورة
وشدة العقوبة جريمة القتل العمد، حيث تصل العقوبة، إذا ما أقترنت بظرفٍ
مشدد، إلى الموت، والسبب يعود إلى انها تعدم حياة الإنسان وتنهي وجوده،
فالإنسان هو أغلى رأسمال وان حياته لا تقدر بثمن وان هذه الجريمة، بالإضافة
إلى تهديدها للفرد، فهي تعكَّر أمن المجتمع وسلامه وتعَّرض مصالحه للخطر.
ولهذا فقد أخترناها موضوعاً لبحثنا المختصر والمتواضع هذا، مع الإحاطة
بأنواع جرائم القتل كالقتل العمد العادي والبسيط والقتل العمد المقترن
بظرفٍ مشدد ثم القتل الخطأ.
فالمبحث الأول، كان يستقصي جريمة القتل
في القوانين العراقية القديمة (أقدم القوانين) وتطبيقاتها القضائية لتبيان
المدنية المتقدمة التي كان يعيشها شعب هذا البلد العريق في وقتٍ كانت أوربا
عبارة عن قبائل بربرية جرمانية.
أما المبحث الثاني، فقد رأينا نظرة الشريعة الإسلامية لجريمة القتل العمد وشبه العمد والقتل الخطأ والجزاء المترتب عليها.
أما المبحث الثالث، فقد تابعنا جريمتا القتل العمد والقتل الخطأ في الفقه الجنائي الحديث.
أما المبحث الرابع، فقد أوردنا النصوص الوضعية التي حددت ماهية جريمة القتل العمد وجريمة القتل الخطأ.
وأخيراً، أوردنا في المبحث الخامس جريمة قتل عمد وتطبيقاتها في أحكام
المحاكم العراقية الصادرة حديثاً من محكمة التمييز مع الإشارة إلى جرائم
أخرى من هذا النوع.
وفي النهاية، أرجو أن ينال هذا البحث المتواضع استحسان كل من يطالعه، مع فائق الشكر.
بغداد – 29/11/2000
المبحث الأول
جريمة القتل في القوانين العراقية القديمة (أقدم الشرائع والقوانين في العالم)
مقدمة عن القوانين العراقية القديمة
تعد القوانين العراقية القديمة من أهم ما يميز حضارة العراق ويضعها في
مقدمة الحضارات الإنسانية الأصيلة، فالقوانين المكتشفة في العراق هي بحق
أقدم القوانين المكتشفة في العالم حتى الآن، فهي أقدم من القوانين
الإيرانية والحثية والإغريقية والرومانية والعبرية بمئات السنين إضافة إلى
ذلك فهي على درجة كبيرة من النضج والتنظيم(1).
أن أقدم الإصلاحات
الاجتماعية والاقتصادية المعروفة لدينا حتى الآن يعود تأريخها إلى القرن
الرابع والعشرين قبل الميلاد (2355 ق.م)، وهي إصلاحات (اوروكاجينا)
واوروكاجينا هو حاكم مدينة لكَش الذي تولى الحكم بعد انتهاء حكم سلالة لكَش
التي أسسها أور – نانشة بثلاث عشرة سنة (القرن الرابع والعشرين قبل
الميلاد)، لذا فان إصلاحات اوروكاجينا تعتبر من أقدم الإصلاحات الاجتماعية
والاقتصادية المعروفة حتى الآن ليس في العراق فحسب بل في جميع بلدان العالم
القديم(2)، بعد هذه الإصلاحات، ينسب أقدم القوانين المكتشفة إلى أور –
نمَّو مؤسس سلالة أور الثالثة السومرية (2113 – 2095 ق. م)، جاء بعده قانون
لبت عشتار (1934 – 1923 ق. م) والذي دوّن كسابقه باللغة السومرية، بعده
جاء قانون اشنونا الذي تم الكشف عنه في موقع تل حرمل القريب من بغداد ويُعد
أقدم قانون دوّن باللغة الأكدية ويعود تأريخه إلى ما قبل حكم الملك
حمورابي بفترة يصعب تحديدها وينسب القانون إلى مملكة (اشنونا) إحدى
الدويلات التي حكمت في منطقة ديالى في بداية العهد البابلي القديم وعاصمتها
(اشنونا) (تل أسمر حالياً) الواقعة على نهر ديالى شرقي نهر دجلة. أما
قانون حمورابي فيعد أكمل وأنضج قانون مكتشف حتى الآن فهو القانون الوحيد
الذي وصل بصيغته الأصلية في حين بقية القوانين كانت عبارة عن نسخ ثانية من
القوانين الأصلية، دوّن قانون حمورابي بالخط المسماري وباللغة الأكدية على
مسلة من حجر الدايوريت الأسود وضم ما يقرب من (282) مادة قانونية بهيئته
الكاملة إضافة إلى المقدمة والخاتمة وقد تم الكشف عن مسلة حمورابي عام
(1901 - 1902) في مدينة شوشة عاصمة عيلام وهي محفوظة الآن في متحف اللوفر
في باريس وقد نحت على الجزء العلوي من وجه المسلة نحت بارز يمثل اله الشمس،
اله الحق والعدالة، جالساً على عرشه وبيده عصا الراعي وخيط القياس الخاص
بالبناء وتحديد الأسعار يسلمها إلى حمورابي الواقف أمامه بخشوع، يبلغ
أرتفاع المسلة (225) سم وقطرها من الأعلى (165) سم ومن الأسفل (190) سم أما
قطرها من الوسط (60) سم(3).
أما بقية القوانين، فهي القوانين الآشورية القديمة والوسيطة والقوانين البابلية الحديثة(4).
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
(1) أنظر: د0 عامر سليمان، جوانب من حضارة العراق القديم، العراق في التاريخ، ص 202 – 203 ، بغداد – 1983.
(2) أنظر: د0 عامر سليمان، القانون في العراق القديم، دراسة تاريخية قانونية مقارنة، ص 141 – 142 ، بغداد – 1987.
(3) أنظر: د0 بهيجة خليل إسماعيل، مسلة حمورابي، ص 6 ، بغداد – 1980.
(4) د0 عامر سليمان، القانون في العراق القديم، دراسة تاريخية قانونية مقارنة، ص 275 – 301 ، بغداد – 1987.
مبـــدأ الـقـصــــاص
إن مبدأ القصاص أتبع لأول مرة (إلى جانب مبدأ التعويض الذي أتبع في
قانوني أور- نمو ولبت عشتار) منذ عهد قانون اشنونا، والقصاص يعني ايقاع
الضرر نفسه على الجاني، أي مبدأ العين بالعين والسن بالسن، وهو مبدأ قانوني
أخذت به الشرائع السماوية وكثير من القوانين العالمية الوضعية ومنها
القوانين العراقية الوضعية التي تعاقب القتل بالقتل (النفس بالنفس) غير ان
قانون حمورابي وكذلك القوانين الآشورية قد غالت أحياناً في تطبيق هذا
المبدأ حتى لتبدو قاسية وتبلغ أحياناً حد التطرف فيما يتعلق بتطبيق مبدأ
القصاص مثل قتل أبن البنّاء الذي بنى بيتاً فأهمل في عمله فتهدم البيت وقتل
أبن صاحب البيت أو قطع أحد أعضاء الجسم في حالة أرتكاب الجاني عن قصد
جريمة ضد شخص آخر تسببت في قطع أحد أعضائه.
على أية حال، مهما كانت
هذه العقوبات قاسية الا انها لا تصل إلى القسوة والهمجية والبربرية التي
أتصفت بها القوانين الأوربية في العصور الوسطى فهي لم تعرف تعذيب المتهم
ولا التمثيل به وهو على قيد الحياة أو تقطيع جسمه ورميه إلى الحيوانات كما
تنص على ذلك قوانين انكَلترا بعد أكثر من ثلاثة آلاف سنة من تاريخ قانون
حمورابي(5).
جريمتا القتل العمد والقتل الخطأ في القوانين العراقية القديمة
لم تعرف القوانين العراقية القديمة هذا التحديد المجرّد العام المحصور
بنصوص وضعية فيما يخص نطاق جريمة القتل العمد وجريمة القتل الخطأ، بل كانت
هذه القوانين ترد أمثلة معينة وتتبعها بنصوص عقابية، لذا فأن هذا الفرز بين
الجرائم هو (سلطة تقديرية) للقاضي أو الحاكم القائم على الفصل في هذه
الجرائم.
في قانون حمورابي، نصت المادة (209) منه على عقوبة من يضرب
أبنة (آويلم) ويسبب لها الإجهاض يدفع عشر (شيقلات) من الفضة، أما إذا تسبب
بوفاة تلك المرأة فعليهم أن يقتلوا أبنة الجاني (المادة 210)(6).
جريمــة القتــل العـمــد
تحتل المادة (10) من القوانين الآشورية الوسيطة(7) أهمية خاصة لأنها
خاصة بجريمة القتل التي لم تذكر الا نادراً في القوانين العراقية القديمة،
فقد نصت على قتل الرجل أو المرأة في حالة دخول أحد بيت رجل وقتله رجلاً أو
امرأة ويجوز إبدال العقوبة بالتعويض أو بأخذ أحد أبناء أو بنات الجاني (إن
وافق ذوو المجني عليه على ذلك)(.
الإيذاء المفضي إلى الموت (القتل العمد والقتل الخطأ)
حددت المادة (50) من القوانين الآشورية الوسيطة عقوبة من يضرب زوجة رجل
آخر ويتسبب بإجهاضها – بمعاملة زوجته بالمعاملة نفسها ويدفع تعويضاً عن
الجنين، أما إذا تسبب الضرب إلى موت المرأة فيقتل الجاني ويعوض عن جنينها
بحياة، وإذا لم يكن للمجني عليها ابن وضربها رجل وتسبب في إجهاضها يقتل
الجاني حتى ولو كان الجنين أنثى.
وتتحدث المادة (53) عن قيام المرأة
بإجهاض نفسها برضاها فإذا ثبت الاتهام عليها عوقبت بالموت بالتوتيد ولا
يجوز دفنها أما إذا ماتت أثناء الإجهاض فانها توتد ولا تدفن(9).
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـ
(5) د0 عامر سليمان، جوانب من حضارة العراق القديم، العراق في التاريخ، ص 208 ، بغداد – 1983.
(6) د0 عامر سليمان، القانون في العراق القديم، دراسة تاريخية قانونية مقارنة، ص 266 ، بغداد – 1987.
(7)
ان تاريخ كتابة هذه الألواح (التي تضمنت مواداً قانونية) يعود إلى الفترة
الواقعة بين (1450 – 1250 ق. م) أي إلى فترة من العهد الآشوري الوسيط.
( د0 عامر سليمان، القانون في العراق القديم، دراسة تاريخية قانونية مقارنة، ص 283 ، بغداد – 1987.
(9) د. عامر سليمان ، نفس المرجع ، ص 289.
أما
المادة الثانية من اللوح الثاني من القوانين الآشورية الوسيطة، فتتعلق
بجريمة القتل التي يقوم بها أحد الأخوة قبل ان يكونوا قد أقتسموا أرثهم،
ففي مثل هذه الحالة يسلم القاتل إلى ممثل المجني عليه وللأخير حق قتله أو
قبول التعويض المتمثل بحصة الأخ في التركة(10).
أما المادة (1) من قانون حمورابي، فقد نصّت(إذا أتهم رجل رجلاً ورماه بتهمة القتل ولم يثبت ذلك عليه فان متهمه يُقتل)).
والمادة (153) نصت(إذا تسببت امرأة بموت زوجها بسبب رجل آخر فتوضع تلك المرأة على الأوتاد)) (أي تصلب حتى الموت).
والمادة (229) نصت(إذا
بنى بنَّاء بيتاً لرجل ولم يتقن عمله وانهار البيت الذي بناه وسبّب قتل
صاحب البيت يُقتل ذلك البنّاء، فإذا تسبب بقتل ابن صاحب البيت يقتلون ابن
البنّاء)).
والمادة (218) فقد تكلمت عن القتل الخطأ كذلك المادة (219)، وهما تتحدثان عن خطأ الطبيب المفضي إلى موت المريض.
الأحكام القضائية الصادرة في جرائم القتـل
كان حضور اجتماع المجالس القضائية مفتوحاً في العهد البابلي القديم إلى
جميع الذكور من المواطنين الأحرار على أقل تقدير كما يستدل على ذلك من إحدى
الوثائق، ويبين أحد الرقم الطينية الذي يسجل محاكمة خاصة بجريمة قتل في
عهد أيسن أي قبل عهد حمورابي، بوضوح الدور الذي كان يلعبه الملك من جهة
والمجلس من جهة أخرى في تطبيق العدالة:
( أ ) ابن (ف)، (ب) ابن ( و)
الحلاق. (س) رقيق ( م ) البستاني قتلوا ( د ) ابن (ي) التشاكو (موظف) وبعد
أن قتل ( د ) أخبروا ( أ ) زوجة ( د ) ان زوجها ( د ) قد قتل. ( أ ) لم
تفتح فمها وأخفت القضية. وقد جلبت قضيتهم إلى أيسن أمام الملك و... أمر أن
تؤخذ قضيتهم إلى مجلس مدينة نيبور وهناك خاطب كل من (ق)... و(ك)... و(هـ)
المشكينم و(ج) و(ك) و(ل) و( م ) و(ن) و( و) (المجلس) وقالوا(ان
اولئك الذين قتلوا رجلاً لا يحق لهم الحياة. يجب ان يقتل اولئك الثلاثة
وتلك المرأة أمام كرسي (المجني عليه) ( د )...)) وخاطب (ب)... (ق)..
(المجلس) وقالوا هل ان ( أ ) قد قتلت زوجها حتى ُتقتل المرأة ؟ ثم خاطبهم
مجلس نيبور وقال: (لعل) المرأة لم تكن مطيعة لزوجها فأعطت معلومات إلى
اعدائه ثم (قاموا) بقتل زوجها.. (ولكن) قتلت هي زوجها ؟.. هم الذين قتلوا
زوجها. وإستناداً إلى قرار مجلس نيبور سلم ( أ ) و(ب) و(س) ليقتلوا(11).
الاتفاقيات الدولية التي تحدد المسؤولية في حالة سرقة أو قتل فرد من رعايا أحد الحكام في حدود الآخر
تزودنا الوثيقة التالية، وهي من (القرن الرابع عشر ق. م) بمثال على ذلك:
((اني – تشوب، ملك كَركَميش، أبرم معاهدة مع رجال اوغاريت. إذا قتل رجل
من كَركَميش في اوغاريت، فإذا قبض على الذين قتلوه فسيدفعون تعويضاً ثلاثة
أضعاف وسيعوضون عن الأشياء التي سرقوها منه ثلاثة أضعاف. ولكن إذا لم يعرف
اولئك الذين قتلوه، فسيدفع (الاوغاريتيون) تعويضاً ثلاثة أضعاف لحياته،
وسيعيدون الأشياء بقدر ما سرق بقيمتها الأصلية فقط، وإذا قتل رجل من
اوغاريت في كَركَميش، فالتعويض نفسه))(12).
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
(10) د. عامر سليمان ، نفس المرجع ، ص 290.
(11) د. هاري ساكز، عظمة بابل، موجز حضارة وادي دجلة والفرات القديمة، ترجمة وتعليق د. عامر سليمان، ص 257 ، فرنسا – 1979 .
(12) د. هاري ساكز، نفس المرجع، ص 270 – 271.
المبحث الثاني
جرائم القتل العمد وشبه العمد والقتل الخطأ (غير العمد) في الشريعة الإسلامية
لقد حرَّم الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز، قتل النفس إلا
بالحق، وقد ورد هذا التحريم في أكثر من سورة من سور القرآن الكريم. قال
تعالى(
وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ
وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا))(13)، ((وَلاَ
تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ
وَإِيَّاهُمْ))(14)، ((وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ
إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ))(15)، ((وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ
بِكُمْ رَحِيماً))(16)، ((وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ
اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا
لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ
مَنْصُورًا))(17)،
هذه بعض الآيات الكريمة التي حرّمت قتل النفس بغير
حق، وباختصار، فان الفقه الإسلامي لم يقسَّم الجرائم إلى جنايات وجنح
ومخالفات، لذلك فان لفظي الجناية والجريمة يعتبران مترادفين في المعنى في
الشريعة الإسلامية، ويبدو الجزاء الجنائي الشرعي في خمس صور لا يألفها
القانون وهي:
1 – نظام الحدود.
2 – نظام القصاص.
3 – الدية.
4 – نظام التعزير.
5 – نظام الكفارة.
1
– نظام الحدود: الحد عقوبة بدنية قدّرها المشرع لجريمة معينة لا تقبل
التغيير أو التعديل وهو جزاء فرضه الشارع على الاعتداء على حق الله أو على
ما غلب فيه حق الله على حق العبد، والحدود سبعة، كجرائم السرقة والزنا
والقذف والردة وتعاطي المسكرات والبغي وقطع الطريق والفساد.
2 – نظام
القصاص: القصاص عقوبة بدنية مقدّرة لأنها تساوي الجريمة في مقدارها، وقد
فرضها المشرع على الاعتداء على ما غلب فيه حق العبد، ويجب القصاص في حالة
العمد والعدوان، ويقع القصاص في حالتين:
أولاهما: القتل العمد – وفيها
ُيقتل القاتل، لان النفس بالنفس، وحق طلب القصاص يكون لولي الدم ويسقط
القصاص بالصلح على الدية كما يسقط بالعفو عن القاتل من القتيل قبل موته أو
بالعفو عنه من قبل أولياء الدم.
ثانيتهما: الجريمة العمدية على ما دون
النفس – إذا أمكنت المماثلة بين محلي الجريمة والقصاص من حيث الفعل
والمنافع فالعبن بالعين والأنف بالأنف والسن بالسن والطرف بالطرف والإصبع
بالإصبع والجروح قصاص فإذا لم يتحقق التماثل بين العضوين وجبت الدية عندئذ.
أنــواع الـقـتــل: قسَّم جمهور الفقهاء القتل إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول – القتل العمد: عندما تتوفر العناصر الآتية:
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــ
(13) سورة الإسراء/ الآية 31 .
(14) سورة الأنعام/ الآية 151.
(15) سورة الأنعام/ الآية 151.
(16) سورة النساء/ الآية 29.
(17) سورة الإسراء/ الآية 33 .
1 – يقع من القاتل فعل يفضي إلى وفاة المجني عليه.
2 – ان يتعمَّد الجاني النتيجة ويقصدها وهي (الموت).
3 – ان تكون هناك رابطة سببية بين الفعل والموت.
النوع
الثاني – القتل شبه العمد: يجب توفر العناصر السابقة (عدا تعمّد النتيجة
وهي القتل) اذ يتعمّد الفعل المادي فقط ويستنبط القاضي ذلك من ظروف القضية
ومن شهادة الشهود.
النوع الثالث – القتل الخطـأ: ويكون القتل الخطأ بتوافر العناصر التالية:
1 – ان يصدر من الجاني فعل يؤدي إلى وفاة المجني عليه.
2 – ان يخطأ الجاني في الفعل أو في القصد:
أ – الخطأ في الفعل: كأن يقصد فعلاً ما فيصدر عنه فعل آخر، كمن قصد
تنظيف سلاحه وخرجت منه الطلقة فوقعت على صدر المجني عليه وكان الجاني يجهل
وجود هذه الطلقة.
ب – الخطأ في القصد: كأن يقصد قتل صيد في غابة فأصاب بريئاً لم يره ولم يشخّصه.
3 – ان يكون بين الفعل والموت رابطة سببية.
فإذا توفرت هذه العناصر، تجب عليه (الجاني) الكفّارة وعلى عاقلته (عشيرته أو نقابته أو دائرته) الدية (التعويض).
3 – الـديـــة: عقوبة مالية ترد في حالات ثلاث:
أولاً – انها تحل محل القصاص إذا رضي بها المجني عليه أو ولي الدم بدلاً منه في القتل العمد.
ثانياً – انها تقع في حالة القتل غير العمد والجرائم غير العمدية على ما دون النفس.