أصل سكان العراق القدامى من شبه الجزيرة العربية
يعتبر العراق الأمتداد الطبيعي لشبه الجزيرة العربية ولو تمعنا في تفسير نجد هي لهضبة الواسعة التي تقع في وسط شبه الجزيرة العربية وتشمل المناطق الواقعة مابين بادية السماوة في الشمال والدهناء في الجنوب وأطراف العراق شرقا وباقي مناطق غرب العراق والحجاز غربا وهي أوسع أقاليم شبه الجزيرة ويتخللها الكثير من الأودية مثل وادي الرمة ووداي حنيفه ووادي عاقل لذلك كانت نجد أطيب أقاليم شبه الجزيرة.
وقد كانت نجد الموطن القديم للكثير من القبائل العربية الكبيرة، وشهدت مولد الدعوة الإصلاحية التي قامت على أساسها الدولة السعودية بمراحلها الثلاث. ويقع معظم ما يعرف بنجد حالياً ضمن حدود المملكة العربية السعودية، وتقع بها العاصمة الرياض.
من جهة أخرى أصدر الباحث العراقي عامر فتوحي المختص في تاريخ وفنون وادي الرافدين كتابا جديدا باللغة الإنجليزية بعنوان Chaldeans Since the early beginning of time 5300BC - present هو السادس في مجال كتاباته التاريخية المتخصصة. وستصدر نسخة من الكتاب باللغة العربية في غضون ستة أشهر بعنوان (الكلدان منذ بدء الزمان 5300 ق.م. ـ الوقت الحاضر).
أجزاء الكتاب الثلاثة بصفحاتها الأربعمئة عبارة عن دراسة أكاديمية وموسوعية كتبت بطريقة تحليلية لما يسميه الكاتب التاريخ القومي للأمة الكلدانية منذ تأسيس عاصمتهم الأولى (أريدو) عام 5300 ق.م. حتى الوقت الحاضر.
في بحثه عن حضارة وادي الرافدين يبرهن فتوحي بأسلوب علمي وبلغة سلسة أن الشرارة التي قدحت وبعدها أجّجت الشعلة الحضارية بوادي الرافدين ما كانت لتندلع لولا ذلك اللقاء القدري الذي جرى بين السومريين والكلدانيين، لتنفجر بعدها شعلة عدة حضارات في وادي الرافدين. يقول إنه بعد تعرض السومريين لضغوط السوباريين اضطروا للنزوح إلى الجنوب حيث كان هناك الكلدان الأوائل وعاصمتهم أريدو، وبهذا اللقاء تأججت شرارة الحضارة الأولى في العراق. وفي حوار "الوطن" معه حول هذه النقطة يقول إن هذا دليل على أن الحضارة العراقية لم تنشأ على يد فئات أو مجموعات متفرقة بل بالتحام جهد مختلف أقوام ما بين النهرين.
يتناول أيضا أصول الأسماء القديمة للسكان والأماكن، يقول إن الامتداد الإقليمي للكلدانيين يمتد من "قطراية"، وهي شبه جزيرة قطر اليوم، ومعنى الكلمة باللغة الكلدانية "الصخرة" مرورا بدلمون، وهي اليوم البحرين، ومعنى الكلمة بالكلدانية "جرة الماء" حتى أريدو، وأور، وأوروك، في جنوب العراق التي كانت تطل على ساحل الخليج. يقول أيضا إن مدينة تيماء شمال المدينة المنورة هي بالأصل مدينة كلدانية اسمها القديم (تيمو) ومعناها باللغة الكلدانية "الجنوب" حيث تقع جنوب العاصمة الكلدانية أريدو، وقد اتخذها أحد ملوك الكلدان مقرا له كما سنرى فيما بعد، أما الحيرة، مملكة النعمان بن المنذر فاسمها (حرتة) وتعني بالكلدانية المخيم الكبير.
يقول هذا دليل آخر على أن أصول أقوام العراق القديم من شبه الجزيرة العربية وتحديدا من منطقة العروض التي كانت امتدادا للقطر البحري الكلداني خاصة وأن أقوام الهجرات المتأخرة من شبه الجزيرة (تغلب وطي وشيبان ونمر وتميم وربيعة) عندما حلت بأرض ما بين النهرين قبل ظهور الإسلام لقيت ترحيبا من سكان العراق القدماء فلم يجد الأوائل غضاضة في قبول الأخيرين، بل عاشوا معهم وتأثروا بهم بل اعتنقوا ديانتهم المسيحية النسطورية وما كان ليتم هذا لو كانوا غرباء عنهم، كما كان الحال في رفضهم للفرس وللديانة المجوسية.
القبائل العربية المسيحية لم تجد بدورها هي الأخرى غضاضة في قبول وفود القبائل العربية بعد ظهور الإسلام وتحديدا في عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حيث قبلوا التعاون مع المسلمين ضد الفرس، وهكذا ساعد الكلدان سكان البلاد الأصليين والقبائل العربية التي كانت تدين بالمسيحية قوات سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية، وإن من قطع رأس رستم هو واحد من النساطرة من قبيلة تغلب، أما بني شيبان فكانت أول قبيلة عربية نصرانية تكسر الفرس.
من خلال حديثه عن أشهر ملوك الكلدان، يركز على الملك (شارو كن) المعروف باسم سرجون العظيم (2334 ـ 2279 ق.م.) ويعتبره أول إمبراطور عرفته الأرض على الإطلاق. وبعدها يركز على الملك الكلداني المتمرد (مردوخ أبلا أدينا) الذي حكم للفترة بين 721 إلى 710 أو 703 ق.م. حسب بعض المصادر، ويعتبره بمثابة رمز المقاومة الكلدانية.
وعن المقاومة الكلدانية يوضح أنه إثر ضعف البابليين/الكلدانيين وتصاعد قوة الآشوريين خلال السلالة السرجونية (سرجون الثاني، وسنحاريب، وآشور بانيبال) لا سيما بعد استقلالهم عام 1114 ق.م.، رفض البابليون الذين نظروا إلى مدينتهم على أنها مقدسة ومركز الشرعية، تلقي أوامر الآشوريين في الشمال وقد نظروا إلى دولة آشور بأنها لا تمثل سوى القوة دون شرعية إلهية أو دينية. وهنا ظهر مردوخ كأعظم مقاوم للإمبراطورية الآشورية وبقى في بابل مستقلا لمدة 11 سنة، وبعد أن قضى الآشوريون على المقاومة البابلية أخذ قواته واتجه نحو مناطق الأهوار وقام بحرب عصابات حتى استطاع أن يكسر القوات الآشورية وأن يستلم عرش بابل ثانية، ثم كسر الآشوريون دولته من جديد وعاد إلى الأهوار. ينقل الكاتب عن المؤرخ أوبنهايم القول إن الكلدان كانوا قوميين متطرفين ومناوئين على الدوام للدولة الآشورية ولم يخضعوا لها سوى 4 فترات متقطعة.
يبحث أيضا في نبوخذ نصر الثاني 604 ـ 562 ق.م. الذي كان يوصف بالملك الشمس أو صانع المعجزات (برج بابل وأسوارها)، لكنه يتناول بالتفصيل الملك (نابونيدوس) الذي حكم للفترة من 555 إلى 539 ق.م. يقول إن أغلب المؤرخين يصفون الملك (نابونيدوس) بالملك الحالم أو الملك اللغز. اعتبر غامضا لأن العديد من الباحثين لم يعرفوا على وجه التحديد لماذا غادر بابل وعاش في منطقة تيمو (تيماء بالعربية وتقع في السعودية)، ليحكم من تيماء لمدة عشر سنوات فيما كان ابنه يحكم عنه بالنيابة في بابل. يعتقد الكاتب أن قطع الأخمينيين، وهم من الأقوام الفارسية، المنافذ الشمالية أمام نابونيدوس دفعه للتوجه إلى الجنوب ليؤمن له طريقا واسعا على البحر الأحمر.
يضع الكاتب تمييزا دقيقا بين الكلدان كقومية والآشوريين والبابليين كمواطني إمبراطوريات أو دول، فعند الأوائل هوية قومية وعند الأخيرين هوية وطنية، إن صح التعبير. كما يتناول الفرق بين الآشوريين والآثوريين في عصرنا الحاضر وهو ما يطلق عليهم اسم كلدانيو الجبل. ينفي أن يكون شمال العراق قد سمي في يوم من الأيام آشوريا أو أن آشوريا هو أصل مصطلح (سيرياك). ويرفض مصطلح كلدو ـ آشور الذي طرح مؤخرا، علما أن المؤرخ المطران (أدي شير) في مجلداته الثلاثة في القرن التاسع عشر كان أول من طرح تسمية كلدو وآثور. يقول الكلدان قومية والآشوريون مواطنو دولة ولا يمكن الجمع بين الاثنين.
يسعى الكاتب، مستندا إلى أدلة المراجع التاريخية، إلى تصحيح ما يسميه الكثير من الأفكار الخاطئة أو المزاعم المفبركة مثل الادعاء أنه لم تكن هناك ديانة حقيقية للكلدانيين بل كانوا يمارسون طقوسا فحسب. يفند أيضا القول إنه لا توجد هناك اليوم علاقة بين الكلدانيين القدامى والحاليين، والزعم بأن الكلدانيين لم يكونوا يمثلون أمّة بل مجرد سحرة وقارئي طالع في المعابد. وينفي القول إن الكلدانيين حكموا بلاد ما بين النهرين لفترة قصيرة من الزمن أو أن سكان القرى المسيحية في شمال العراق (مثل دشتا وتورا) هم ليسوا بكلدانيين بل آشوريين، أو أن الكلدانيين قد انقرضوا من الوجود عقب الحقبة الإٍسلامية لوادي الرافدين، كما ينفي القول إن إنجازات الجيش الآشوري هي إنجازات عرقية خاصة بالآشوريين، أو أن الأميرة (شمور آمات) أو (شميرم) أو سميراميس كما يلفظها الإغريق ليست كلدانية. يؤكد بأدلة المراجع التاريخية أنها أميرة كلدانية من مدينة بورسيبا البابلية تزوجت ملكاً آشورياً وحكمت في آشور.
ما يتعلق بإشارات العهد القديم حول الكلدانيين يقول الكاتب لـ"الوطن" إن العهد القديم هو ليس بكتاب مدرسي يبحث في التاريخ المادي وإنما هو كتاب يسرد أحداث الشعب اليهودي، والحوادث التاريخية مذكورة لأسباب
روحية وليس لأغراض مدرسية. يقول إن المؤرخ أو عالم الآثار أو المهتم بدراسة الحضارات يبحث عن أمور مادية ملموسة (تمثال، رقيم طيني، رسم، نقش...) ليقوم بتحليلها واستنباط التاريخ منها، هو لا يذهب إلى العهد القديم إلا في الحالات العامة، ولاسيما أن هناك إشارات مترابطة في العهد القديم (سفر أرميا) تصف الكلدان بأنهم شعب حضاري وأمة قوية منذ القدم.
درس عامر فتوحي الهندسة والفن التشكيلي وتاريخ وادي الرافدين منذ منتصف عقد السبعينات، وطبق عملياً في مختبر المسماريات بالمتحف العراقي ومارس البحث الحقلي في منطقة أور الكلدانية بجنوب العراق، كما درس الكتابة الصورية بإشراف العالم العراقي الدكتور فوزي رشيد، وعمل رئيسا لقسم الفنون التشكيلية والقسم الفني لمجلة فنون العراقية 1980-1983م وأقام أربعة معارض شخصية وعدداً من المعارض المشركة مع فنانين تشكيليين عراقيين داخل وخارج العراق منذ عام 1978، وحصل على العديد من الجوائز الوطنية والدولية في مجال الفن التشكيلي والبحث التاريخي. ألّف ونشر أربعة كتب في مجال تاريخ بلاد الرافدين وكتاباً موسوعياً عن الفنون والعمارة عبر التاريخ، وأصدر كتابين لغويين (قاموس مصوّر كلداني عربي إنكليزي) بالاشتراك مع الأب يعقوب يسو وكتاب (اللغة الكلدانية) للمربي يوسف ميري بالتعاون مع الأب يسو ونخبة من الأساتذة من كادر منظمة المركز الثقافي الكلداني في ديترويت.