--------------------------------------------------------------------------------
الرشايدة أو الزبيد، يطلق هذان الإسمان قبيلة عربية هاجرت من الحجاز إلى السودان سنة 1869م، واشترط عليها شريف مكة المكرمة أن تدفع له اثنى عشر ألف ريال فامتثلوا. وكان أول من هاجر الزنيمات (Zeneimat) وزعيمهم الشيخ عبيد الله بن مبارك إذا استأجر عدة سنابيك وحمل فيها كل قبيلته والإبل والأغنام، ثم نزل في ميناء محمد قول، وبعضهم نزل في دَرور، وكانت معهم أسلحة نارية من الطراز القديم، فزار زعماؤهم سواكن وقدموا لمحافظها الولاء واشتكوا إليه من قلة المياه. فسمح لهم بأن يسكنوا حنوب سواكن جهة (أشعت) و (السيتراب). وطلب من الشيخ عبيد مراقبة التهريب (الرقيق والتمباك والأفيون)، وهي الأشياء التي اتخذوها مهنة لهم وتجارة لن تبور. وحدث هناك قتال شديد بينهم وبين الهدندوة قتل فيه الشيخ عبيد الله وأخوه عبيد وخريسان وبعض شبابهم أمثال سويلم ابن الحلبة (من البراسا) وهو رجل مسن،( ) ولم يعثروا على جثته إلا بعد خمسة أيام.
والشيخ عبد الله وإخوانه لم يقتلوا إلا بعد سجن العصابة الأولى، فتألفت أخرى ونهبت إبل عبيد الله وعبيد ومحمد عواض فأدركوهم عند سفح الجبل (شبه) فأطلق عبيد الله رصاص مسدسه على الهدندوة، فقتل رجلاً منهم، ولكنهم اضطربوا فتنالوتهم سيوف الهدندوة. فتولى رئاسة القبيلة الشيخ عبد الله ابن امبارك( )، فاستأذن من ممتاز باشا في الرحيل إلى جهة العقيق وعدوبنة، وهناك استجار الشيخ علي بخيت وكيل نظارة بني عامر فأجاره، وسمح لهم بأن يزرعوا في أراضي بني عامر، وأخذ العهود والمواثيق من مشايخ الجبال الشيخ موسى هُمّد أُكُد ومن الشيخ علي ضرار شيخ مشايخ السهول على أن يمحوه مما يحمون منه أهلهم وذويهم، فتعهدوا له بذلك، واندمجوا في قرى بني عامر. وبدأ الشيخ عبد الله يعد العمدة لأخذ ثأر إخوانه والإنتقام ممن قتلوهم. واستمر حولاً كاملاً في ذلك ويقيس المسافات ويجرب الأسلحة والجمال( ). واشترى عدة جمال (عناقية) لتحمل المشاق والعدو السريع ( )، وكانت قبيلة من البراطيخ سافرت في سنابيك أخرى معهم ولكنها نزلت في ميناء (امبارك( ) ،) بقرب العقيق، والتقوا واستعدوا للغزو.
وقبيلة البراطيخ حال نزولها بأرض الحباب ( )، اشتبكت معهم في عدة مواقع، وخسر كل من الفريقين بعض الرجال، واضطروا أن يلجأوا إلى مكان وجود الشيخ عبد الله، وفي هذه الأثناء أي بعد عام هاجرت قبيلة البراسا. فاشتد ساعد الزنيمات والبراطيخ. وفي أحد الأيام دعا الشيخ عبد الله أمبارك رؤساء البراسا والبراطيخ. وعرض عليهم قراره، وهو غزو الهدندوة في السيتراب حتى يأخذ بثأر إخوانه، فأطاعوه. وقام على رأس عصابة قوية وقتل جماعة ممن وجدهم، وعاد من غير ان يخسر شيئاً. وعينته الحكومة المصرية ناظراً على عموم الرشايدة، وأمرتهم بدفع الجزية من اول سنة 1873( ). ومما تجب الإشارة إليه أنه إلى يومنا هذا لا يخلو أي رشيدي من بندقية أو مسدس، بخلاف سائر سكان هذا الإقليم الذين مازالوا على فطرتهم الأولى في حمل السيف أو الحربة، وهنا تكمن الخطورة العظيمة بين الفريقين. وكانت حكومة الحكم الثنائي كل ثلاث سنوات تبدأ بتفتيش منازلهم وخيامهم وتغرم كل من ليس له إذن بحمل السلاح الناري. والرشيدي مثل الكردي إذا فقد البندقية لن يأمن على حياته في الدنيا. وفي سنّى طليان إرتريا الأخيرة كانوا يأتون بالأسلحو ويبيعونها. وكانت هذه حالهم في المهدية إذ كانوا يفتشون في رمال التيب عن البنادق والرصاص وينزعونها من أكتاف وأصلاب قتلى المصريين والإنجليز والهنود.
ذنيمات
هم بيت نظارة الرشايدة، وهم أول من عبر البحر الأحمر إلى السودان كما أسلفنا. ويقولون إنهم من ذرية محمد الأمين بن هارون الرشيد من زوجته (زبيدة)، ولذلك لا يعترضون على من يدعوهم برشايدة أوزبيدية. ويقال إن الشيخ عبد الله لما رأى حسن المراعي بالسودان استأجر بعض السنابيك وطلب من باقي الرشايدة الهجرة. ومن الذنيمات كانت هجرة العائلات الآتية: (أبناء امبارك) عبيد الله وعبيد وعبد الله ( )، ورشيد. ومن أبناء عمومتهم: جلاف وعواض ورويشد، وعوض، ورشيد ودواس، وسلامة، ومسلم، واليوم لا تقل ذرية كل منهم عن الخمسين.
واشتهر الشيخ عبد الله بالحزم وإباء الضيم، وقد ذاق بؤس الحياة ونعيمها في أرض يجهل طباع أهلها، وقبائل تحت رئاسته ولكنها لا تأتمر بأوامره، بل كل منهم يعتبر نفسه حر التصرف مادام يحمل سلاحاً نارياً يُقتل به كل من لا يطيعه. ولهذه الأسباب تراكمت المشاكل على الشيخ عدب الله فرأى أن يصاهر العجيلاب ليأمن على ظهره. وفي أحد الأيام أمر الرشايدة أن يبتعدوا عن ديار الحباب فخالفه جماعة منهم.
بين الذنيمات وعائلة عمدوى الحبابة
وذات يوم هرب بعير عائد من بن جلاّف ولقيه إدريس محمود دقه، فذبحه وأكله( ). وجاء صاحبه خلفه يقص الأثر حتى وقف على دمه مغتاظاً، فاستاق أغنام القرية جميعها وتهددهم بإطلاق الرصاص، فصرخ علي بخيت بن إدريس محمود طالباً النجدة. وكذلك فعل عايد، واجتمع الفريقان في قلب سَقلا (Galab Sagla) فأطلق الرشايدة الرصاص على الحباب وأصابت رصاصة الشيخ إدريس محمود دقه في جبهته، وطار مخه في الهواء. وعند ذلك قال عايد أظن أن إدريس كان يأكل من كل بعير( )، المخ. ومات موسى إدريس محمود أيضاً، ورجل من الأفلنده اسمه درب بن طَدَا( )، فتشبعت المشاكل( )، بين الرشايدة والحباب واستاء كنتيابي من قتل عربانه، فاتفق حامد بك حسن مع محمد علاء الدين باشا (محافظ مصوع) كي يأمر بترحيلهم إلى درور( ) شمال بورتوسودان. فلما بدأوا في الرحيل أقلقت راحتهم عصابات الحباب بالقتل والنهب، ولم يتورعوا عن قتل الشيخ والمرأة والطفل. فلما أظلم الليل ذبحوا كل من وجدوه بداخل الخيام. وكانت هذه العصابات تختفي نهاراً في منازل بني عامر وتخرج ليلاً للبحث عنهم. ولم يسلم منهم إلا الشبان الذين ينامون في مكان مختفٍ عن الناس. واختلف الرشايدة مع جماعة في الآبار واستعملوا الرصاص، فقتلوا ثلاثة من العجيلاب( )، خطأ، فاشترك أخوهم أبو بكر مع الحباب في كل المواقع. منتقماً لإخوانه.
واستجار الرشايدة بالعجيلاب في عقيتاي فأجارهم الشيخ ضرار بن علي لمدة عشرين يوماً فقط وبعدها أعلنوا الرحيل إلى عيدب. فهجمت عصابة (ردئ ابن بلغ شكاني) على قلة الشيخ عبدالله بن مصلح( )، وقتلوه هو ومساعد وسعيد وسُعيِّد وابنى سعد بن مصلح، وسليم بن سلامة (ذنيمي) وما لا يقل عن الخمسين من الأطفال والنساء. وكما هي عادة الرشايدة كان الرجال كامنين في جهة (دِرقِت) تلك الليلة. فلما أصبح الصباح وجدوا القرى كلها مآتم وبكاء وعويلاء وصراخاً وجرياً ونحيب أيتام. فكان منظراً يفتت الأكباد. فركبوا الجمال خلف العصابة فأدركوها في منهل (رحيب) وقد حضر كنتيباي بكل رجاله وحنوده وهم أكثر من ألفين. أما الرشايدة فكانوا نحو أربعمائة رجل. ووقف الحباب على ضفة الوادي الشرقية، والرشايدة على الغربية. وإذا بالسيد إبراهيم بن الشيخ بن محمد بن علي. والشيخ ضرار، والشيخ أكد موسى يقفون برجالهم بين الصفين وبيد السيد إبراهيم المصحف الشريف فتهادن الفريقان. وارتاح كل منهما من وضع المصحف البينهما فوق سرج جعل وانقلب كل إلى أهله. وفي النفس ألمٌ ومضض، وارتحل الحباب إلى (روره) و (أقرع)، والرشايدة إلى (مقدّام) ثم (مافنوب) (السهول الواقعة بين توكر وسواكن). قال الشيخ ابن المبارك العازمي إن كنتيابي حامد افترض من الشيخ باجنيد (الناجر الحضرمي بمصوع) عشرة آلاف ريال، ودفعها إلى محمد علاء الدين باشا( )، نظير ترحيل الرشايدة من أرض بني عامر والحباب إلى أرض الأمارأر. وكان يسير خلفهم ومعه قوة من الجيش. فلما وصلوا درور قال لهم هذا لا يكفي، فطردهم إلى محمد قول (بأيديب)، فلما وصلوها استعدوا لقتاله هو وجندوه وعلى رأسهم الشيخ مرشود بن مريخيم بن عمرو( ) ولكن تدخل في الأمر الشيخ محمود علي بك زعيم الفاضلاب، وكان صديقاً للشيخ مرشود، وطلب من علاء الدين باشا أن يرجع عنهم، وتكفل هو بضمانهم وحسن سلوكهم وإطاعتهم لأوامر الحكومة. وأيده ناظرهم الشيخ عبد الله المبارك وسار بأهله نحو حلايب. ولما اشتكى الرشايدة للحكومة مطالبين بدية قتلاهم دفعت للمشايخ والأعيان، وهؤلاء أكلوها ولم يدفعوا منها ملياً لأهل القتلى، فانتشر الخبر في سواكن حتى سمعته الحكومة فسجنت منهم نحو أربعين شيخاً، وأخذت منهم نحو أربعمائة وخمسين ناقة نظير الدية.
واشتراها محمد بك الشناوي سر بحار سواكن باثنتين وثلاثين ريالاً الناقة الواحدة دفع منها للحكومة عشرين ريالاً وللرشايدة عشرة ريالات عن كل ناقة، وجعل عليها وسمه (وهو حرف ش في الفخذ الأيمن) وصارت ترعى بين توكر وسواكن حتى كانت المهدية فاستولى عليها أمير توكر خضر بن علي الحسنابي العمر القرشي. ( )
والذنيمات تطلق على العوائل التالية:
1. ذوي البراغيث.
2. ذوي رشيد بن حليمة.
3. ذوي الحويجات الكبرى.
4. ذوي عايض.
5. ذوي الحويجات الصغرى.
6. العوازم.
7. العرينات.
8. القزايز.
وبعد وفاة الشيخ عبد الله تولى نظارة الرشايدة أصغر أبنائه هو الشيخ امبارك. وكان دمث الأخلاق جدد صلاته وعلاقاته الطيبة مع الأشراف بمكة المكرمة وأهله المتخلفين بالحجاز، ولكن الأيام لم تمهله فانتقل إلى جوار ربه وهو في ريعان شبابه وخلفه ابنه الشيخ الشيخ بركي، ولسوء تصرفاته ألغت الحكومة وظيفة النظارة وحاولت أن تقسمهم بين ثلاث قبائل فتضم عمودية البراسا بحث نظارة الهدندوة( ) ، والبراطيخ تحت بني عامر والذنيمات تحت الشكرية.. فرفضوا جميعهم ذلك ولازالو ثلاث عموديات بلا نظارة والأوفق تعيين شيخ خط لهم حتى يتطوروا بدلاً من حالتهم الحالية التي كلها بؤس وشقاء لم يرتقي منهم إلا الذنيمات. وعميدهم اليوم هو الشيخ علي بن عبد الله أمبارك أول رشيدي نادى بطلب الإستقلال.
نقلا كتاب تاريخ شرق السودان لمحمد صالح ضرار