غيب الموت عميد الصحفيين اللبنانيين والعرب الأستاذ غسان ثويني صاحب ورئيس تحرير جريدة «النهار» اللبنانية عن عمر يناهز الـ86 عاماً.
غسان الثويني الذي غيبه الموت لم يكن مجرد صحفي صاحب جريدة كانت ملء السمع والبصر، فالنهار اللبنانية التي حملت شعار «الديك الأزرق» كانت فعلاً يوقت اللبنانيون والعرب وكل الدوائر السياسية في لبنان الذي كان قلب الرصد السياسي في المنطقة العربية، يوقت الجميع وقتهم مع بداية صياح ديك النهار التي كانت صحيفة مستقلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فرغم كل موجات الضغط وشراء الذمم لمعظم الصحفيين العاملين في الصحف اللبنانية ظلت النهار وحدها صحيفة مستقلة ليبرالية متنفساً للجميع، ورغم أن صاحبها مسيحي في بلد تتجاذبه الأهواء الطائفية، إلا أن الصحيفة كانت منبراً لجميع الكتاب وإن غلب عليها الكتاب المسلمون.
كانت الصحيفة النافذة التي يطل منها كل من يعمل في السياسة عرباً وأجانب ولبنانيين، السفراء ودوائر الرصد السياسي الدولي يحرصون على أن يبدؤوا يومهم بما كتب في النهار، وكانت المقالة الافتتاحية للنهار تنشر تحت عنوان «حقيبة النهار» تشغل مترجمي جميع السفارات فضلاً عن السفارات العربية، إذ يتحول موضوع المقالة إلى تقرير يرسله السفير يغني عن معرفة التحولات والمتغيرات التي تشهدها المنطقة العربية.
وقد أمدت النهار الصحافة اللبنانية والعربية بأفضل الكتاب والصحفيين الذين لا يزالون يمسكون بناصية القلم يوجهون الرأي العام العربي، فمن النهار ظهر رياض الريس وفؤاد مطر وميشيل أبو جودة وسليم نصار وسمير عطا الله. وكانت النهار مدرسة صحفية متميزة لم تصل إليها أي من المدارس العربية، وقد كان لي شرف التدريب والعمل في أروقة الدار عندما كانت في شارع الحمراء مقابل مقهى كان يعد ملحقاً للصحيفة إذ كان جميع الصحفيين والكتاب والسياسيين العرب واللبنانيين يبدؤون يومهم بفنجان قهوة في ذلك المقهى الذي لا يخلو صباحاً ومساء من مرتاديه، وفي الدار شاهدت غسان ثويني يمر على مكاتب الزملاء كالطيف لا يشغل أحداً، يمر ويوزع ابتسامته ويقدم ملاحظته دون استعلاء رغم أن الجميع يقر بأستاذيته.
غسان ثويني اجتر الألم حتى آخر أيامه ومات وحيداً بعد أن فقد ابنه الثاني كرم في حادث سير ثم وفاة ابنته بعد إصابتها بمرض لم تعالج منه وبعدها قتل ابنه البكر جبران ثويني ضمن سلسلة اغتيال السياسيين والصحفيين المعارضين للهيمنة السورية، ثم وفاة زوجته بنفس مرض ابنته ليبقى آخر أيامه وحيداً يقضي جلّ وقته مع الورق والقلم.
مات ثويني صحفياً مثلما بدأ، وسياسياً خدم وطنه بإخلاص دون أن يحمل عداءً لأحد، وزيراً ونائباً وسفيراً تاركاً تراثاً يجب أن يدرس لكل من يعشق هذه المهنة التي تهذب وتغرس الحب ليس كما نراه اليوم لدى السياسيين ومنهم الكثير على الساحة اللبنانية.