[
هل يئس العرب من عروبة العراق؟ - غسان ثويني
justify]ما دام الشعار العربي المرفوع حالياً هو اليأس، فقد وجدنا للاستاذ الأمين العام عمرو موسى شغلاً يملأ به وقت فراغه خلال
فترة اليأس من متابعة وساطته اللبنانية التي لا نزال، نحن، نتمنى تغلّبه على اليأس ومتابعتها.
هذا الشغل نظنّه داهماً أكثر من "المسألة اللبنانية" الشديدة التعقيدات، ولكن القليلة الكلفة بالدماء... قياساً بالشغلة الأخرى!
عنينا الحرب العراقية الت...
ي تكلفنا (نحن جميعاً كالعراقيين ومعهم وعنهم) عشرات بل مئات القتلى يومياً، وينتظر المراقبون ان تزداد الكلفة مع وصول العشرين ألف جندي اميركي الذين بشّر الرئيس بوش العراق والمنطقة والعالم اجمع بأنه سيرسلهم لانقاذ ديمقراطيته العراقية قبل فوات الأوان... أو بالأحرى قبل حلول أوان الانسحاب من العراق الذي يتدمّر كل يوم، فكيف يشغل بالنا مصير ديمقراطية يقول الشعب المفترض فيه ان يمارسها وينعم بخيراتها يوماً؟
اقتراحنا – الجدّي جداً، صدّقنا يا سيادة الصديق الأمين العام – هو أن تبادر فوراً الى القيام بمشاورات عاجلة وجريئة (وخلاّقة!) مع السادة حكام ما تبقى من الدول العربية المعنية والقادرة لعقد مؤتمر فوري، وعلى مستوى القمة – لا وزراء الخارجية، لأن الموضوع قومي وليس ديبلوماسياً – للنظر في جدول أعمال من بند واحد: كيف نوقف الحرب، بل الحروب العراقية، قبل انجاز تفكيك العراق وزوال عروبته بتوزع شعبه وأرضه دويلات طائفية ومذهبية وعرقية وتحوّله مصنعاً للعصابات الارهابية وتصديرها (بل إعادة تصديرها) الى كل جهة عربية وصوب اقليمي؟
وعندنا – جدياً جداً - ان هذا الموضوع أشد خطورة وأكثر خطراً على مستقبل البقية الباقية عربية من دول المنطقة، وصولاً الى افريقيا وسودانها والصومال... ثم وصولها، اسلامياً، الى دول آسيوية متصل مصيرها بالمصير العربي ومهددة كالمساحة العربية بالتحوّل مرتعاً (وكدنا نقول: ملعباً) للجيوش الأجنبية والأعجمية تنيب نفسها بنفسها عن العرب والإسلام والعالم لتولي رسم حدودها ومستقبلها وتقرير مصيرها.
ولمن لا يعرف ذلك من الأشقاء وحكامهم، نسمح لأنفسنا بتذكيرهم بالقاعدة المسلّم بها في العلوم الطبيعية: ان "الطبيعة تكره الفراغ، وحيثما يحصل يلتق ما – ولنقل في حالنا مَنْ – يملأه".
فلا نلومنّ إلاّ أنفسنا اذا تركنا "المساحة" العربية تفرغ، دولة بعد دولة وقطعة بعد قطعة (اليوم العراق وغداً من يدري؟)، من سلطة أو فريق قادر ولو على محاولة معالجة الأزمات والمساعدة على حفظ الأمن والتوفيق بين الأشقاء... مفهوم؟
هل سلّمنا بأن ثمة حقاً طبيعياً أو قدرياً أو ربما الهياً لهذه أو تلك من الدول الكبرى او الأصغر قليلاً في القفز الى الأرض العربية التي يتأزم حكمها، أو ربما حقاً مقدساً في تأزيم الحكم، فإقامة الفراغ، ثم القفز بالجيوش الى ملئه (ولو بتفويضٍ دوليٍّ مشكوك في شرعيته) والحزم والجزم في ترسيم الحدود والاعتراف بالدويلات وحكومات الميليشيات... إلى آخر الأغنية "الامبريالية" المعروفة؟
ماذا يمكن الدول العربية أن تفعل؟
أي شيء، وكل شيء يمكن أن يخطر ببالها يظلّ أفضل من استمرار الوضع الحاضر وعجز "السلطات" المبتكرة هناك عن وقف الاقتتال الذي تتهم حقاً وحلالاً بافتعاله في غالب الأحيان، ولا منطق وطنياً يردعها ولا ضمير انسانياً يمنعها من التفرّج (في أحسن الحالات) على حربٍ، بل حروب كلما تصدّت لوقفها نشأت من الحرب حروب ومن المجرزة مجازر!!!
وبدل استنكار بعض دولنا، مثلاً، شنق صدام حسين على النحو الذي جرى، ألا يجدر بها ان تتخذ من تلك الجريمة مؤشراً لعدم جدارة الحكم أو "شبه الحكم" القائم – قاعد هناك، فتهبّ ولو لمحاولة انقاذ الناس اخوتنا هناك من الآتي الذي لا يمكن أن يكون إلاّ أعظم!!!
وعن السؤال عما يمكن ان تفعل الجامعة، نجيب ان عليها ان تبتكر... واذا رفعت أيديها وأعلنت عجزها، قلنا لها صراحة ان معنى ذلك من جانبها تخلّف عن ممارسة الواجبات الانسانية – فكيف بالقومية والسياسية والدولية؟ - وان هذا التخلّف هو بمثابة اعلان مسبق للعجز عن القيام بما هو بمثابة هذا الواجب في الحكم الداخلي وممارسة السيادة.
واذا لم تصل الدول العربية الى هذا الاستنتاج، فسواها سيصل، ويتصرّف انطلاقاً من قاعدة عجزها... و"السواها" هذا يمكن ان يكون دولة أجنبية (ولنقل أعجمية) كما يمكن ان يكون فريقاً من المواطنين، اي فريق يعتبر هذا التصرّف اجازة بالثورة والتمرّد، أو بالبحث عن فريق خارجي أو اكثر لضمان أمنه وسلامته وحقوقه.
أوَليس هذا الحال هو النموذج الأمثل للفراغ أو التخلّف الذي يمهّد لكل استعمار؟
لا نريد ولا نقصد من مقالنا هذا احراج الجامعة أو دولها، بل فقط تنبيهها الى ما يمكن ان يؤول اليه وضع العراق فوضع سواه (كفلسطين الأسوأ حالاً... ولا حاجة الى الاستطراد شمالاً!) اذا استمرت الجامعة وكأنها مؤسسة طوباوية تريد المواطنين العرب ان يصدّقوا سلفاً انها عن "جمعهم" أعجز.
واذا قام في الجامعة من يقول لك، يا سيادة الأمين العام، ان العراق مقسّم بطبيعة تكوينه شيعاً وطوائف (مثل لبنان وسواه) فلا حول ولا قوة في محاولة توحيده، أو السعي الى ذلك...
اذا قالوا، يا سيادة الأمين العام، فذكّرهم بأن العراق هذا، بطوائفه وشيعه ومذاهبه و"أتنياته"، تمكّن من خوض اشرس حرب ضد دولة اجنبية (يعتبرونها اليوم شقيقة أو ما هو بمثابة ذلك: ايران) فظلّ على وحدته لم تتصدّع وتمكّن بفضلها من الانتصار... وعلى ايران بالذات ومن غير ان "تتشيّع" لها شيعته! كائناً ما كان الرأي العربي في تلك الحرب. حسبنا منها الدليل على قدرات العراق وعلى وحدته حتى في ظل الاستبداد.
وبعد، ربما متى اجتمع حكام العرب يهبط عليهم وحي ما يخرجهم من اليأس، فينقذون أنفسهم ولو لم ينقذوا العراق.
علماً بأننا كثيرون نظن، وبحق، انه ما لم يهبّ العرب لانقاذ العراق، فالصلاة والسلام على البقية الباقية من عروبة الدول "العربية" الأخرى.
لأن "الآتي أعظم"!
ولن تجدي أحداً منا العقائديات الباليات، كما لم تجد العراق، ولن يقوى احد منا لا على "بعث" نفسه اذا تركها تتدهور في المحالفات الزانيات ، كما لن يقوى احد اذذاك على "بعث" سواه ولو بدا هذا يصارع الموت، اذا كانت لا تزال فيه بقية من شعلة تنادي الإجماع العربي ولا تثق بغيره بديلاً .[/justify]