الزنبقة تحاور الأمين العام لمجلس رؤوساء الطوائف المسيحية في العراق سيادة الحبر الجليل المطران آفاك اسادوريان[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] اجرى الحوار: الخوراسقف بيوس قاشا
الزنبقة _ وضمن نشاطها الرعوي في لقاء رؤساء الأبرشيات والرهبانيات والرؤساء الكنسيين _ أرادت هذه المرة أن تلتقي سيادة المطران الدكتور آفاك اسادوريان رئيس طائفة الأرمن الأرثوذكس في العراق والأمين العام لمجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق أيضاً ... لتجالسه زمناً يسيراً، بل سويعة قصيرة، لتسأله وتسمع الجواب منه، وخاصة في هذا الزمن الصعب والقاسي على المسيحيين خاصة وعلى أبناء الشعب عامة.
ومنذ فترة طويلة أردتُ أن أكون في حضرته، ولكن ظروف الأبرشية وانشغالاته كانت دون تحقيق هذا الهدف المسؤول. إلى أن كان يوم السبت، 28 تشرين الثاني 2009، حيث استطعتُ، برفقة نائبة رئيس التحرير م. آن مطلوب والشماس ماهر قره قوشي، أن آخذ قسطاً من زمن انشغالات سيدنا الحبر الجليل لأجل كلمة في لقاء ... وكان اللقاء ... وكانت الكلمة عفويةً وحقيقةً وواقعاً، ننقلها على صفحات مجلة الزنبقة لتكون لنا وللقرّاء الكرام _ لعلّ وعسى _ بذرةً في قلوبنا لتعطي ثماراً يانعة في أوانها ... إنها كلمة أحد رؤسائنا الأجلاء ... إنه المطران آفاك أسادوريان ... فإليكم أيها القرّاء الأعزاء نصّ المقابلة: مقتطفــات ...S حينما أصلّي في مجال الحياة، أتشابك مع الرب.S إنني أرمني بقوميتي، كرخيّ الميلاد، من منطقة الصالحية، وأعتزّ بأرمنيتي. وهذا الاعتزاز والتضحيات الجمة أعطى لأرمنيتنا وطناً ودولةً.S لا زلتُ أسأل ما هو تعريف الوحدة المسيحية وعلى أرض الواقع.S الوجود المسيحي في خطر. بمعنى آخر أن أبنائنا يتركون ويهاجرون، ومنهم يهجَّرون، كون ليس للمسيحيين من حماية كافية.S لم نعقد أي اجتماع مع الكهنة الأعزاء لاستشارتهم في مسألة ما، وهذا مؤلم.S نشاط مجلة الزنبقة نشاط من نوع خاص. فهي تحمل كلمة الإيمان إلى كل قارئ وإنسان.الزنبقة: سيدنا المطران آفاك أسادوريان جريء، شجاع، يقول الحق في وجه الأقوياء ... ينظر ثم يفكر وأخيراً يقرر ... فتكون الكلمة. وبسمته ترافق قراره. هذا ما أعرفه جيداً ... ولكن ما لا أعرفه سرٌّ خفي، متى يصلّي سيدنا المطران؟، كيف يصلّي؟، ماذا يصلّي؟، ماذا يقرأ؟، ماذا يشاهد؟، مَن هو مثاله؟، ما هو شعاره؟.سيادته: مثالنا ومثال كل مسيحي هو السيد المسيح، وبه نقتدي. وأنا اقتبلتُ الكهنوت ليس من خلال الدراسة في المعهد الكهنوتي، أو أحد الأديرة، ولكنني شعرتُ وأنا في فترة الشبوبية بصوتٍ يقودني في مراحل حياتي، وحاولتُ أن أتملّص من سماع هذا الصوت في بعض الأحيان ولكنني لم أستطع. وكنتُ ولا زلتُ أطلب الحقيقة عبر الصلاة. فالمسيح كان دائماً يختلي ويصلّي، وأنا صلاتي ليست داخل الكنيسة فقط وكأنني في مهمة، إنما هي _ حسب مفهومي _ أنه حينما أصلّي في مجال الحياة أتشابك مع الرب، وتلك فضيلة من خلال العمل الرعوي. وهذا يعني بالنسبة لي مساعدة الآخرين، وزيارتهم، والاستفسار عنهم وعن كل ما يتعلق بشؤونهم مستفسراً:"متى صنعتُ لكَ هذا يا رب". ففي صلاتي أشعر بقوة كامنة في داخلي، وهذا الشعور هو الذي يتَرجَم كخدمة من أجل الجماعة المسيحية.أما ماذا أقرأ؟... إنني أقرأ كل شيء، مقالات متعددة لعناوين مختلفة، وأقرأ في آنٍ واحد ثلاث كتب أو أربع. فالكتاب بالنسبة لي هو جليسي المحبوب. إنني أرمني بقوميتي. كرخيُّ الميلاد من منطقة الصالحية. وأعتزّ بأرمنيّتي، وهذا الاعتزاز أعطى لقوميتنا وطناً ودولة بعد عطاء وتضحيات وبذل الدماء من مذبحة دير الزور وحتى السنين الأخيرة. وهذا دليل أكيد على أن الصليب وقبور الشهداء الذين سقطوا في الفترة 1915-1918، والمجازر التي ارتكبها العثمانيون في زمن سابق، وفي سيفو، زرعت فينا الشعور القومي المحب والحيّ لأمتنا الأرمنية. كما رافقنا في الشهادة حينها آشوريون وكلدان وسريان، وقد كان لحضور الآشوريين في أرمينيا أن أقاموا لهم نصباً لشهداء بذلوا دماءهم حباً بإيمانهم وأرضهم.حالياً اسكن في كمب سارة، وآتي كل يوم صباحاً إلى دار المطرانية في ساحة الطيران لإدارة شؤون الطائفة. وهذا البرنامج ابتدأتُه ولا زلتُ أواصل المسيرة فيه من أيام الحرب وحتى الأيام الساخنة وإلى يومنا هذا. كما يسرني أن أطّلع على كل الأخبار والنشاطات.أما عصراً فإنني أقوم بزيارة عوائلنا الأرمنية المنتشرة في أحياء عدّة من بغداد. كما اتّخذتُ لي شعار يوم رسامتي "جئتُ لأخدم"، على مثال معلّمي المسيح الخادم، وهذا الشعار يدعوني إلى خدمة كل إنسان، فكم بالأحرى إذا كان طالب الخدمة من أبناء جلدتي وقوميتي
الزنبقة: الحقيقة والصراحة رسالة المسيحي، فسؤالي يقول: الشعب لم يلمس من الرؤساء الكنسيين إلا بيانات وربما مقتضبة في مناسبات مؤلمة ... هذا كله يُشعرنا أنكم لا زلتم في الحياة، ولكن لم نسمع يوماً تهنئة مشتركة بين جميع رؤساء الكنائس بمناسبة الأعياد ... وهل الحياة لكم كلها ألم؟ ... أليست القيامة فرح لا يوصَف كما هو الميلاد؟ ... هل من تقارب مع قداسة بابا الفاتيكان؟ ... هل تتمنى أن تتوحد الأعياد؟.سيادته: أنا أظنّ قبل أن نعيّد على الورق نعيّد في عائلة مسيحية واحدة. وعيد المسيحيين الكبير هو عيد القيامة. ولا زلنا _ ومع الأسف _ نحتفل به بمواعيد مختلفة، ومن الممكن في مثل هكذا مناسبة أن نوجّه رسالة راعوية لأبناء شعبنا.نعم، عزيزي أبونا الخوري بيوس، إن فكرتكَ صائبة في هذا الصدد بل واجبة، ولهذا سأرفع طلباً في اجتماعنا القادم إلى رؤساء الطوائف بإذاعة رسالة رعوية خاصة إلى أبناء كنائسنا، وهذه الرسالة تكون تهنئة بمناسبة الأعياد. أما من تقارب مع قداسة بابا الفاتيكان، فلقد رافقتُ غبطة بطريركنا في أيار عام 2008 حيث زار قداسة البابا ومعالم الفاتيكان. إن الكنيسة الأرمنية تحب أن يكون لها دائماً التواصل والحوار مع كنائس العالم، كما قام قداسة المثلث الرحمة البطريرك كاراكين الأول بزيارة إلى الفاتيكان حيث ألّف نص التأمل لمراحل درب الصليب، كما شارك في هذا الإحتفال الديني وذلك بمناسبة ختام الصيام المقدس والجمعة العظيمة في ملعب الاستشهاد "كولوسويه" في روما.الزنبقة: وهل تتمنى أن يتوحد عيد القيامة؟.سيادته: كنّا وما زلنا نصلّي من أجل وحدة المسيحيين ووحدة الكنائس. والوحدة المسيحية حسب مفهومي هِبَة من الله، ويُنشدها الرؤساء والمؤمنون، وهي شيء مهم بل رسالة مسيحية. ولكن ماذا نعني بالوحدة؟، أنا أرى في وقتنا هذا إنها حيثيات غير معروفة بالنسبة لي، ولا زلتُ أسأل: ما هو تعريف الوحدة المسيحية وعلى أرض الواقع!؟.الزنبقة: أنتم الأمين العام لمجلس مطارنة العراق ... هناك مجالس كنسية متعددة ... مجلس مطارنة بغداد، مجلس مطارنة نينوى، مجلس مطارنة الشمال ... هل هناك توافق بين هذه المجالس في عمل مشترك من أجل الرسالة المسيحية في العراق؟.سيادته: هناك اتصال متواصل ومستمر في التشاور الدائم بين جميع رؤساء الكنائس المسيحية ومجالسهم، ونحن الآن في طور التنسيق بين الجميع لتشكيل مجلس عام للطوائف المسيحية في العراق. وقد خوّلني المجلس في بغداد أن أتصل بالمجالس المحلية وبالسادة المطارنة والأساقفة، لذلك سافرتُ إلى المحافظات الشمالية، وزرتُ السادة الأساقفة وتباحثتُ معهم في كيفية تأسيس مجلس يضمّ كافة الطوائف المسيحية في العراق. ولكي يكون هذا المجلس موفَّقاً في أعماله يجب أن يصاغ له نظام داخلي، وهذا ما قمنا به، إذ وضعنا مسودّة النظام. وكوننا نعيش في العراق في ظروف استثنائية وغير طبيعية منذ عام 2003 وإلى اليوم، فقد كان من الصعوبة إلى عقد لقاء نتبادل بيننا العديد من الأفكار من أجل إعداد مسودّة النظام إعداداً جيداً، ولكن ومع الأسف هناك العديد من المطارنة لا يحبّذون المجيء إلى بغداد، وبعض منهم لا يريدون السفر إلى المحافظات الشمالية، وبهذا لم يرَ النظام الداخلي النور لحدّ الساعة. فمتى سيكون موعد ولادة النظام!!؟.الزنبقة: ماذا تقول سيادتكم عن دور الكنيسة في هذا الزمن وبالتحديد بعد الاحتلال وتغيير النظام ... بمعنى آخر أين أنتم من مسألة المسيحيين ومما يصيبهم من مآسي وتهجير؟.سيادته: لقد حضرتُ العديد من المؤتمرات، وأنا شخصياً يهمّني الوجود المسيحي في منطقة الشرق الأوسط وفي العراق بالذات. وفي هذه المؤتمرات كنتُ أتحدث بكل جرأة، وأدقّ ناقوس الهجرة الخطير، ناقوس الضياع. فالوجود المسيحي في شرقنا العزيز في خطر، بمعنى آخر إن أبنائنا يتركون ويهاجرون ومنهم يُهَجَّرون كون ليس للمسيحيين من حماية كافية، وهذه الجماعة يجب أن تكون مكفولة في الدستور العراقي وليس في القانون العشائري، ويصبح العراق دولة قانون وليس دولة عشائر. وهذا الوضع الراهن جعل المسيحيين يسألون: مَن هو حاميهم؟، ومَن من الرؤساء يحميهم؟. ومع هذا فرؤساء الطوائف يحثّون الشعب في كل مناسباتهم وأحاديثهم على عدم الهجرة، فهنا أرض أجدادهم ... مهما كان فإن الهجرة مرض مخيف ومعدٍ. والهجرة تعني الانسلاخ عن أرض الآباء والأجداد للذهاب إلى أرض بما يسمى بـ "أرض الميعاد" في أوروبا وأميركا وأستراليا، وبسببها يضمحلّ وجودنا حيث العادات الشرقية _ والتي هي تعبير خاص للمهاجر الشرقي _ هذه كلها سوف تضمحلّ وتنتهي.لا أعلم لماذا العيش بأحسن حال يؤدي بالناس إلى ترك بلدانهم. وهنا يراودني السؤال: لماذا جعلني الله في هذه الأرض المباركة، العراق العزيز. أليس في ذلك حكمةً منه؟.. ألسيت هي شهـادة مسيحية؟... كل واحد حينما يفكر لا يجوز أن يفكر بشخصه لوحده، لأن وجوده يجب أن يكون كشخص مسيحي من أجل المسيحيين، وهذا النوع من الوجود أسمى إيمان. ومن خلال لقاءاتي مع المسؤولين الرسميين وغير الرسميين، أتوجّه بهذا الحديث إذ لا يكفي أيضاً أن نقول للناس وللمسيحيين "أن لا تهاجروا"، فالنيّات الحسنة التي سمعناها مراراً وتكراراً من المسؤولين لا تكفي ما لم يتمّ تهيئة أرضية لقبول الآخر وممارسة الإيمان بحرية كاملة وكلٌّ من معبد أو من مسجده أو من كنيسته، كأفراد نستطيع العيش بأحسن حال، ولكن ألسنا جميعاً جسد واحد. فوجودنا في العراق هو وجودنا كشخص مسيحي من أجل شهادة الإيمان.الزنبقة: كل طائفة، كما أراها، مهتمة بشؤونها الخاصة، واعذرني من الكلمة أن كل مطران مسؤول عن زاوية من زوايا الكنيسة ... أين رسالة المطارنة الكهنوتية والرعوية المشتركة؟.سيادته: هذا صحيح، كلٌّ منا يهتم بأبرشيته وكنيسته فقط، كما أهتم برعيتي، إنهم أبنائي، والحمد لله إنني أنتظر ماذا سيقول التاريخ عني بعد أن خدمتُ رعيتي 30 سنة، فأرجو أن أكون قد وفّقتُ في عملي الرعوي. وكم أنا متألم إذ قمتُ بتهيئة شمامسة غير مرتبطين بزواج من أبناء كنيستنا العراقية لخدمة الكنيسة ولكن مع الأسف رحلوا إلى أوروبا وأميركا وكندا تاركين العراق ليجدوا مراعٍ قد تبدو أكثر خضاراً، ولكن ليس بالضرورة أن تكون أكثر سعادة.الزنبقة: سيدنا الجليل: هل تحبّذون تسمية "طائفة" أم "كنيسة" أم "جمعية" أم تسمية أخرى؟ ... أليس الأجمل أن يسمى المطران "رئيس كنيسة" بدلاً من "رئيس طائفة"!... أليست هذه التسمية تقودنا اليوم إلى الانغلاقية والانكماش على الذات وعلى تعميق مفهوم الطائفية؟.سيادته: الدولة العراقية تسمّي الأقليات "طوائف"، وكل كنيسة هي طائفة. وجريدة الوقائع العراقية تستخدم كلمة "طائفة". أما أن يتفق رؤساء على تسمية أنفسهم برؤساء كنائس فلا بأس.الزنبقة: ولكن يا سيدنا، هذه التسمية من أيام العصملّي (العثمانيين).سيادته: نعم، ولكن هذا مقرَّر في قانون الدولة العراقية.الزنبقة: ولكن يا سيدنا، ألا يعني هذا، أو ألا يقودنا إلى التفكير بالعنصرية حينما نقول "رئيس طائفة"؟.سيادته: صحيح، ولكن الكنيسة هي المكان حيث يلتقي المؤمنون بالمسيح، فهم مسيحيون. وعلينا أن نستخدم كلمة "طائفة" كما تستخدمها جريدة الوقائع العراقية، كما أحبّذ في نفس الوقت استعمال كلمة "كنيسة" و "رؤساء كنائس".