Admin Admin
عدد المساهمات : 672 تاريخ التسجيل : 12/08/2012 العمر : 66 الموقع : الموقع الرسمي لعشائر الجشعم وحلافائهم
| موضوع: ;كلمه يجب بوحها الإثنين سبتمبر 17, 2012 3:19 pm | |
| الكلمة
عضلاتُ وجهكَ التي لا تقوى على مقاومة ابتسامتك تصلّبت. انقضى العُمر ياصديقي الطيب وأنت لم تتغير، وجهك الذي أصبح أقسى وغَزَتهُ الطبيعة حتى وسمته لا يبقى قويا حين يُظهر آدميٌّ قسوته، دمعاتُ طفولتك التي تنهمر إذا عُنِّفت، هي نفسها تغسل خديك إذا أحسست بثقلك أو قال لك أحدهم كلمةً تؤذيك. لكنك تنسى سريعا، لا أُحصي المرات التي حلفت فيها على نفسك أن تتغير على فلان وفلان، أنت دائما أنت، بِصَمتِكَ المهيب وكلماتك المتشككة. لا تتغير إلا حين تتعب، حين تُقدَّس حتى يجعلوك إلها، تكره هذا، تعرف نفسك وآدميتك الناقصة بطبعها، تعاند أحيانا، تكتم آهًا عنيفة، تتمنى لو علموا ماعلمت، تظنُّ الدنيا وقفت ضدك، رغم أنك دائما تعتقد -جازمًا- أن الله يحبك، وأنه حذرك ألف مرة من غيك، ورحمك ألف مرة من السقوط إلى الهاوية، وأذاقك ألف درسٍ لا يؤذيك، تقول إنه القوي الرحيم، الذي تحبه رغم خوفك منه.
أعرف أنهم آذوك كثيرا بكلماتٍ صغيرة، وأنك تحملها في قلبك كجمرٍ يزيد صدرك المشتعل احمرارًا، لكني أحذرك، لا تكره ما تفعل، أنا أحبك هكذا، كلهم يتمنون لو صاروا مثلك، يتساسرون حولك، يتبادلون الكلمات الكبيرة التي يضحكون على أنفسهم لأنهم لا يفهمونها ولا يفهمون شرحك لها، لأكون صادقا -وهذا مايجعلني صديقك- لستَ أستاذًا جيدًا، لا تجيد الشرح، تقول جملا متداخلة لا نفهمها، تفكر بتشتت، يخونك لسانك أو ترتيب عقلك، لا أدري. نضحك كثيرًا على حماسك، يروقني رغم ذلك. ولو لم يُجدِ معنا، ولم نفهم منك شيئا.
لم أتصور أبدا أن سلامك مع الطبيعة سينتهي بهذا الشكل المأساوي، لا ألومك، لا أطلب منك أن تغير طبعك ولا طريقة إحساسك تجاه الكلمات، أرأف بك. أتمنى لو لُعنت الكلمات إلى الأبد، ستغضب، تُقدِّسُ الكلام، تقول أنه صنع الحضارة. الحضارة بكل مافيها من عظيم وحقير لم تشف قلبك المضطرب، لذلك ألعن الكلمات، ولو عَنَّفتَنِي ثانية، سأتمنى لو أن لها عند الجبابرة ماعندك من تأثير، أتمنى لو كانت قوية أكثر لتكسرهم، لتقتلهم حتى، لتغير رسم خريطة العالم، لكنها ضعيفة إلا أمام قلبك، أنت المُحَرِّمُ على نفسه مئة مُحَلَّل ليَسكُتَ الناس، ولم يسكتوا، ولن يسكتوا، سيرمونك حتى تقع، وقعت؟ لا، لم تقع، أعرفك جيدا، أسمع صوتك بنقاء، أحوله إلى قصيدة لو أردت، أحشرك (وهذا تعبير عن سعتك) في رواية طويلة بمجلدين، أقول أنك لم تُفهَم لأنك لا تتكلم عن أفكارك مثلما تتكلم عن تقديس الكلام وأهميته ودفاعك عنه. لو اختصرتَ دفاعك عن حق الناس في التعبير إلى النصف، ودافعت عن نفسك لكان أفضل، لا يعجبك قولي؟ ولا أنا! نسيت، بدأت أنصحك، لا تحب هذا، أعلم، وأدرك لِمَ تدافع عن حق الإنسان المهدور في أواطننا، لكنني لن أعيش أبد الدهر لأسمع قولا ينصفك، الكلام مثلما يؤذيك يهزمني.
ليت كلامي يحفزك، مثلما تُقلِّصُكَ كلماتهم، ليتني أبني لك جدارا يفصل بين أذنك وقلبك، يقطع إحساسك بالكلمات السيئة، مستحيل! لست أجهله، لكنني أعلل نفسي بالأمل، لأنني أكاد أيأس، وأنت تقهرني بتهدئتك، وكأن الأمر لا يعنيك، وكأنك غير الشخص الذي تُغَيِّبُ رُوحَهُ كل كلمة، منتشيا، أو مصعوقا، تنام، تنام كثيرا كأنها نومتك الأخيرة في تابوت قديم، تنسى الدنيا خلفك، تترك نفسك لتهرب من كلمة وقحة، وتريد ألا أقول المستحيل؟ أنت المستحيل بأم عينه، حين تنسى!
اجعلني أحملك، نسافر بعيدا، إلى بلاد لا تتكلم، إلى بلاد بكماء، تعرف فيها ذاتك، تسافر فيها لتسافر إلى ذاتك، إن روحك صافية لكنك لا تغوص فيها، وعقلك رغم انفتاحه وإحاطته بقي ضعيفا أمام الروح، لا تسأل عنها، لا تعرف أي شيء عنها، إنها لك فقط، ليست تركة تورثها كعلمك أو كتبك، إن رحلتَ سترحلُ معك، لن تعيش مع أحد غيرك، هي أنت، هي "أناك" التي تُعجِزُك حين تحاول قراءة داخلك وفهم نفسك، إيمانك -مثل قلبك- مضطرب، تبكي خوفا من الله ولا تعبأ بروحك المجهولة!
أيها اللامرئي في العالم الآخر، أيها المنبوذ في عالمنا، أيها القريب والمُلهم مثل وجه ليلى، لن تسقط مادمتُ عصاك، سأصلب ظهرك، سأبقيك واقفا لا تقع، ولا تستريح إلا واقفا، أنا الصديق الذي سيجلد ظهرك لو أغراك أن تضطجع عليه، أيها المهم وهو يدري، والصديق وهو يدري، والحبيب وهو يدري. آسف إن قطعت عليك مافي يدك، سامحني، كما تفعل مع الناس دائما، سأدعك تواصل بهدوء، لا تنم، لا تمت، لا تستسلم لهم، واقرأ. | |
|