تحالفات القبائل العربية في الجاهلية و الاسلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ايها الملأ الطيب
دعونا هنا نتحدث عن ابرز تحالفات قبائل العرب بدء من الجاهلية الى اليوم , و لنتشارك معلوماتنا عن هذا الموضوع الهام جدا و بداية فسأبدأ بتمهيد بسيط عن الحلف القبلي .
قال الجوهري في الصحاح: (والحلف بالكسر: العهد يكون بين القوم، وقد حالفه أي عاهده، وتحالفوا أي تعاهدوا) انتهى.
وقال الفيروزبادي في القاموس المحيط: (والحلف بالكسر: العهد بين القوم والصداقة، والصديق يحلف لصاحبه ألا يغدر به، والجمع أحلاف) انتهى.
وفي المعجم الوسيط: (حالفه محالفة وحِلافاً: عاهده، ويُقال حالف بينهما: آخى) وفي موضع آخر في المعجم: (الحِلف المعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، والجمع أحلاف).
وقال أيضاً: (الحليف، المتعاهد على التناصر، والجمع أحلاف)
مع ملاحظة ما ذكر في معاجم اللغة عن معنى الحلف نجد أن كلمة الحلف يدور معناها بين: المعاهدة والصداقة، والنصرة والحماية، والتعاضد والتساعد والاتفاق، وما في هذه المعاني.
فنستطيع أن نقول بأن معنى الحِلف اللغوي تقريباً هو: التعاهد والاتفاق على التعاضد والتناصر والحماية، هذا في مصطلح أهل اللغة. (1)
أما معنى الحِلف في مصطلح المؤرخين والنسابين فليس هناك معنى محدد، ولكن نستطيع أن نقول - من خلال استقراء ما كتبه النسّابون والإخباريّون عن الحلف - بأن الحلف هو: أنظمة وعهود اجتماعية وسياسية تجمع بين عشيرتين، أو قبيلتين فأكثر يلتزمون فيها بينهم على التعاضد والتناصر والحماية... وقد تزيد هذه العلاقة حتى يصبح المتحالفون قبيلة واحدة، وكياناً واحداً (أي ليس حلفاً مؤقتاً فقط)، كما سيتضح ذلك عند الكلام عن أنواع الحلف وصوره.
إلا أن التعريف السابق ربما يتناسب مع بعض أنواع الأحلاف أكثر من أنواع أخرى، كما سيأتي ذلك في أنواع الأحلاف وصوره وأقسامه.
وعند الرجوع إلى كتب المعاجم مرة أخرى، نجد أن العرب كانوا يطلقون اسم (الحليفان) على بني أسد وطيء، وكانوا يطلقون نفس الاسم أيضاً على أسد وفزارة (أو غطفان) - كما سيأتي في أنواع الأحلاف - ويطلقون مصطلح (الأحلاف) على ستة بطون من قريش وهي: عبد الدار، وكعب، وجمح، وسهم، ومخزوم، وعدي، كما أطلق أيضاً مصطلح (الأحلاف) على قوم من ثقيف.... وغيرهم أيضاً. (2)
أنواع الحلف:
من يستقرئ ويرصد الأحلاف القديمة بين العرب يجد أنها أنواع بينها اختلاف، ومن خلال ذلك نستطيع تقسيم أنواع الأحلاف تقسيماً اجتهادياً إلى:
1 - حلف مؤقت (وربما يتكرر):
الهدف منه هو النصرة والاحتماء والاستعانة لمصلحة مشتركة بين الحليفين، كخوض حرب مثلاً أو غير ذلك، فإذا انتهى الحدث انتهى الحلف بانتهاء الحدث، وقد يتكرر ذلك عند تكرار هذا الحدث (مثلاً قد يتكرر عند حصول أكثر من حرب لنفس القبائل المتحالفة)، فمعنى ذلك أن هذا النوع من الأحلاف إنما هو لسبب معيّن مؤقت وليس حلفاً كاملاً سواء تكرر هذا السبب أم كان مجرد حادثة منفردة، ومن أمثلة ذلك أن العرب تسمى طيء وأسد بالحليفين، وأطلق هذا اللفظ على أسد وغطفان أو فزارة، وفيهم قال زهير بن أبي سلمى:
ألا أبلغ الأحلاف عنّي رسالة
وذبيان هل أقسمتم كل مقسم
وقال:
تداركتما الأحلاف قد ثل عرشها
وذبيان قد زلت بأقدامها النعل (3)
فلنلحظ في هذا الحلف أنه لم تدخل قبيلة تحت مسمى قبيلة أخرى، وإنما أُطلق لفظ يشمل القبيلتين بسبب التآزر بينهما، لمصلحة معينة ومحددة تشترك فيها القبائل المتحالفة وربما يتكرر.
2 - حلف كامل (قبائل وكيانات تكوّنت من الأحلاف):
كأن تجتمع عدة قبائل وأفخاذ لا يجمعها جد واحد، بل ربما يصل الأمر أن يكون بعضها قحطانية، وبعضها عدنانية، فتجتمع في اسم جديد، وكيان جديد مؤلف من عدة قبائل مختلفة لا يجمعها جد واحد، والغالب في هذه الأحلاف أن يكون سبب حلفها، هو اجتماعها في مكان واحد، أو اشتراكها في أحداث ووقائع معيَّنة، بل قد تُسمى على هذا المكان أو على صفته، ونلحظ على هذا النوع أنه غير مربوط بواقعة مؤقتة وينتهي (كالحلف المؤقت).ومثال ذلك قبائل: تنوخ، والعتق، وغسان، فهذه القبائل قائمة على الأحلاف لا يجمعها جد واحد، قال ابن حزم (وجميع قبائل العرب فهي راجعة إلى أب واحد حاشى ثلاث قبائل وهي تنوخ والعتق وغسان)، وقال بعد الكلام عن هذه القبائل (فهم من بطون شتى) (4)، ويقصد بقوله جميع القبائل راجعة إلى أب واحد أي في الجملة والغالب، وإلا قد يدخل بعض القبائل أفخاذ من قبائل أخرى، ولكنها في جملتها ترجع إلى أب واحد، بخلاف هذه القبائل الثلاث فإنها مجتمعة من عدة بطون من قبائل شتى كوّنت هذه الكيانات.
3 - دخول فخذ أو عشيرة أو فرد في قبيلة أخرى:
وهذا النوع الأكثر حصولاً من أنواع الأحلاف، وفي هذا النوع يُعتبر الفرع الذي دخل في القبيلة (سواء كان هذا الفرع فخذاً، أو عشيرة، أو أسرة، أو شخصاً) جزءاً لا يتجزأ من القبيلة التي دخل فيها، فيتسمى باسمها وينضوي تحت إمرتها، ويحارب معها مثله مثل من ينتسب أصالة إلى هذه القبيلة، وقد يحصل بعد زمن أن يرجع هذا الفخذ، أو العشيرة إلى محاولة الانتساب إلى نسبه الأصلي لأسباب مختلفة.
وأمثلة هذا النوع كثيرة جداً في كتب النسب، فلما تحدث ابن حزم عن ذرية الإخوة أسلم ومالك وملكان أبناء أفصى بن عامر بن قمعة بن إلياس بن مضر، قال وهؤلاء الثلاثة ممن تخزَّع، يعني دخلوا في خزاعة (5)، ولما تحدث عن بني وادعة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد (وهم أبناء عمومة للأوس والخزرج) ذكر أنهم دخلوا في همدان (6)... وغير ذلك كثير جداً في كتب النسب ويصعب استقصاؤه.
من أسباب الحلف:
الحلف ينشأ غالباً لأسباب سياسية كاختلاف التكوينات والقوى في المنطقة، أو لأسباب اجتماعية كضعف القبيلة، أو قلتها، أو هجرة أغلبها من المنطقة، أو لسبب جغرافي مثل الجوار، فمن تلك الأسباب:
1 - عند قيام قبيلة أو عشيرة بحرب قبيلة أكبر منها، أو ردّهم فإنهم قد يضطرون إلى الاعتضاد والتقوّي بعشائر أخرى لمواجهة هذه الحرب، وقد يستمر هذا الحلف، وقد ينتهي بانتهاء الحدث، وقد يحصل ذلك من الطرفين، ومن الأمثلة على هذا السبب كحلف مؤقت ما حصل يوم الهذيل عندما أغار الهذيل بن هبيرة التغلبي على ضبَّة والرّباب فأنجدهما بنو سعد بن زيد مناة بن تميم، فقال سلامة بن جندل:
وتغلب إذ حربها لافح
تشب وتسعر نيرانها
غداة أتانا صريخ الرباب
ولم يكُ يصلح خذلانها
صريخ لضبّة يوم الهذيل
وضبّة تردف نسوانها
تداركهم والضحى غدوة
خناذيذ تشعل أعطانها
بأسد من الفزر غلب الرّقاب
مصاليت لم يُخش إدهانها (7)
وقد دعا عمرو بن معد يكرب الزبيدي إلى تجمع بطون مذحج لمواجهة بطون معد بن عدنان، عندما قال:
وأود ناصري وبنو زبيد
ومن بالخيف من حكم بن سعد
لعمرك لو تجرّد من مراد
عرانين على دهم وجُرد
ومن عنس مغامرة طحون
مدربة ومن علة بن جلد
ومن سعدٍ كتائب معلمات
على ما كان من قرب وبعد
ومن جنب مجنّبة ضروب
لهام القوم بالأبطال تردي
وتجمع مذحجّ فيرأسوني
لأبرأتُ المناهل من صعد(
المثالان السابقان ينطبقان على الأحلاف المؤقتة التي حصلت بسبب الاستعداد لحصول حرب، وغير هذه الأمثلة كثير، وقد يكون حلفا خندف وشبابة مثال على ذلك أيضاً فهما حلفان أُسسا بسبب توازن القوى وهي أحلاف مؤقتة لسبب معين.
2 - عند هزيمة قبيلة أو كيان قبلي في حرب أو حروب متوالية، فقد تحصل هزيمة قاصمة تحمل هذه القبيلة المهزومة إلى الرحيل فيبقى منهم بقية ضعيفة تحتاج إلى الاحتماء والتقوّي فتضطر إلى الدخول في قبيلة أكبر منها.
وقد تدخل قبيلة أو عشيرة في قبيلة أخرى اتقاء لسطوتها وإغارتها، كأن تغير قبيلة أو كيان قوي على مناطق تعيش فيها قبائل ضعيفة لا تستطيع مقاومتها، فتنضوي تحت لوائها، وتأتمر بإمرتها لكفّ ضررها عليهم، ولا شك أن في هذا الأمر مصلحة للقبيلة القويّة، لأن دخول هؤلاء وغيرهم في كيانهم سيكثر من عددهم وسيزيد من قوتهم.
قال البكريّ (فلما رأت القبائل ما وقع بينها من الاختلاف والفرقة، وتنافس الناس في الماء والكلأ، والتماسهم المعيش في المتسع، وغلبة بعضهم بعضاً على البلاد والمعاش، واستضعاف القوي الضعيف، انضم الذليل منهم إلى العزيز، وحالف القليل منهم الكثير، وتباين القوم في ديارهم ومحالهم، وانتشر كل قوم فيما يليهم) (9)
3 - قد يحصل الحلف لسبب جغرافي واقتصادي في آن واحد، وذلك عند نزول عدة عشائر، أو أفخاذ على منطقة واحدة فتجمعهم المنطقة فيتكوَّن كيان باسم جديد.. مثال ذلك أحلاف تنوخ وغسّان وغيرهما، فقد تحدث ابن حزم عن سبب تسمية قبيلة تنوخ فقال (سموا تنوخاً لأن التنوخ الإقامة، فتحالفوا على الإقامة بموضعهم بالشام، وهم من بطون شتى) وقال عن غسّان (طوائف نزلوا بماء يقال له غسّان فنسبوا إليه) (10)
ومن ذلك أيضاً هجرة القبيلة أو العشيرة من مكان إلى مكان، ونزولها في مكان تسيطر عليه قبيلة أخرى فيحصل بينهم التداخل والحلف، ويشابه ذلك أيضاً الجوار قد يكون سبباً للحلف.
4 - قلة عدد العشيرة أو القبيلة في ظل تلك العصور القاسية التي تعتمد فيها بعض القبائل على الحرب والسلب، فلا شك أن قلة عددها سيجعلها تذوب في كيانات أخرى، ويحصل هذا كثيراً بين أبناء العمومة القريبين، فتجد الإخوة إذا اشتهر فيهم رجل قد يُنسب إليه فيما بعد أبناء إخوته لشهرته ولقلة عدد ذرية إخوته كما هو الحال في البراجم من بني تميم، وهم ذرية عمرو والظليم وقيس وكلفة وغالب أبناء حنظلة (جد البطن) بن مالك بن زيد مناة بن تميم، ذرية هؤلاء الخمسة كانوا قلة، فقال لهم رجل منهم وهو: حارثة بن عامر بن عمرو بن حنظلة (أيتها القبائل التي ذهب عددها تعالوا فلنجتمع، فنكن كبراجم كفي هذه)، ففعلوا فسُموا البراجم، وهم مع بني عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة. (11)
5 - قد يحصل خلاف داخلي بين القبيلة الواحدة يُلجئ أغلب القبيلة إلى طرد القسم الآخر من نفس القبيلة، مما يجعلها تنتقل عن المكان وتحالف كياناً آخر، وهذا الخلاف قد يحصل لأسباب كثيرة، إما لسبب دم أو مصاهرة لقبيلة أقل منهم شأناً، أو امتهان بعضهم لمهنة أقل مما اعتادوا عليه، أو شحناء أو غير ذلك.
كما أن القسمين قد يكونان متقاربين في العدد والقوة، وقد يكونان غير متكافئين، بل قد يحصل أن رجلاً واحداً فقط تغضب عليه قبيلته، فيخرج منها لسبب من الأسباب السابقة، أو غيرها فيدخل في قبيلة أخرى، فيكون بذلك جداً لأسرة أو عشيرة، وكتب الأوائل مليئة بأخبار الخلاف والتنازع بين أبناء القبيلة الواحدة كحرب البسوس، وداحس والغبراء ويوم البُعاث وغيرها من الأيام الشهيرة.
ومن ذلك أيضاً ما ذكره البكريّ عن تكاثر بطون جرم ونهد القضاعيتين وفصائلهم فتلاحقوا واقتتلوا وتفرقوا وتشتت أمرهم ووقع الشر بينهم، ثم قال (فلحقت نهد بن زيد ببني الحارث بن كعب - من مذحج -، فحالفوهم وجامعوهم، ولحقت جرم بن ربان ببني زبيد - من مذحج - فحالفوهم وصاروا معهم، فنسبت كل قبيلة مع حلفائها، يغزون معهم ويحاربون من حاربهم). (12)
هذه من أبرز الأسباب.. هناك غيرها أيضاً وأتوقع أن استقصاء كل الأسباب يحتاج إلى مزيد من العناية، ولكن هذه إشارات ولفتات حول مفهوم الحلف وأنواعه وأسبابه، مع أملي أن يكون هناك مزيد من الاهتمام من الإخوة الباحثين حول هذه الموضوعات الهامة من تاريخ العرب وتراثهم القديم، والله المستعان.