برزت في بلاد الإغريق بعض المدن على رأسها مدينتان أسهمتا إسهاما كبيرًا في بناء الحضارة الإغريقية هما مدينتا أسبرطة وأثينا. ووفقاً للأساطير اليونانية، فمؤسس أسبرطة هو لاكديمون، ابن الإله زوس والآلهة تاجيت، وقد سماها على اسم زوجته ابنة يوروتاس. توجهت أسبرطة نحو النظام العسكري بعد أن اضطرت إلى خوض حروب طويلة مع جيرانها، وعلى رأسهم أثينا، التي خاضت معها حرباً طاحنة استمرت لربع قرن عرفت بالحروب البيلوبونية، غير أن أثينا وأسبرطة سرعان ما اتحدتا عام 481 ق. م، رغم حروبهما، عندما تقدم الفرس بإتجاه اليونان، واستطاعت أثينا التصدي له في الحملة الأولى، غير أن الحملة الفارسية الثانية، كانت لتدمر جيش أثينا، لولا أن الأسبارطيين أمنوا انسحاباً بأقل للخسائر للجيش الأثيني، استبسل فيها 300 من أشجع قادة أسبرطة العسكريين بقيادة ليونايدس ووقفوا بوجه الجيش الفارسي حتى انسحب جيش أثينا الجرار نحو موقع آمن و وكان نظام الحكم في أسبرطة يقوم على أساس ديموقراطي إلى حد ما يعتمد في توزيع السلطات على عناصر أربع : 1- ملكية مزدوجة للفرد حتى لا ينفرد ملك واحد بالحكم. 2- مجلس شيوخ يتكون من 28 عضو (ويشترط ألا يقل عمر العضو عن ستين عامًا). 3- جمعية عامة تضم كل المواطنين الذكور متى بلغوا سن الثلاثين. 4- ضباط التنفيذ أي الوزراء وهم خمسة ينتخبهم الشعب ويشغل كل منهم وظيفته لمدة عام واحد. فيما بين عامي 740 - 720 قبل الميلاد قامت الحرب الميسينية الأولى، استطاعت أسبرطة من خلالها توسيع أراضيها بالاستيلاء على حصن جبل أتيوم وضم ميسينا (غربي أسبرطة)، أثناء حكم الملك تيوبومبوس.و بين عامي 660 - 640 قبل الميلاد، وقعت الحرب الميسينية الثانية، إذ وبعد ثمانين عاماً من الحكم الأسبرطي لـ ميسينيا، ثار أهالي ميسينيا ضد الحكم الأسبرطي، ودعمهم في عصيانهم حكام دويلات المدن اليونانية في الشمال والشرق والتي كانت على خلاف مع أسبرطة. وعندما تعاظمت الاضطرابات الاقتصادية والسياسية في ميسينيا وفقد العديد من الأسبرطيين أراضيهم التي اكتسبوها بعد الحرب الأولى، سارعت أسبارطة إلى فرض نفوذها في ميسينيا، وابتكر الأسبارطيون خلال الإعداد لتلك الحرب، التكتيك القائم على تجمع كتيبة مشاة مدججة بكافة أنواع السلاح (رماح، سيوف، تروس، دروع، واقيات أطراف)، وهذا التكتيك انتشر في حروب العالم بعد ذلك، من بعد الأسبارطيين.انتصرت أسبارطة في الحرب انتصاراً مؤزراً، أعاد هيبتها إلى كافة المدن اليونانية، غير أنه صنع منها دولة جديدة، دولة لا تعرف غير الحرب ! كان المجتمع الأسبارطي يتكون من ثلاث قبائل، وهو مجتمع ذكوري، يهمّش المرأة. ويُربى الذكور بين 14 - 20 من أعمارهم من قبل الدولة ويتلقون تعليماً عسكرياً مكثفاً، ومن أعمارهم بين 20 - 30 ملتحقون بالجيش جميعاً، ومن هم أكبر من الثلاثين يجتمعون في نوادٍ رجالية في المدن، ويتناولون فيها وجباتهم سوية. ولعل السبب فب هذه النزعة العسكرية أن موقع أسبرطة كان بعيدا عن البحر، ولم يكن أمامها من وسيلة لمقابلة ازدياد السكان سوى التوسع فيما حولها من بلاد مما جعلها سوط عذاب لجيرانها، وقد ظلت أسبرطة قوية ومسيطرة على معظم بلاد الإغريق بفضل قوتها ونظمها العسكرية لمدة مائتي عام، فلما سقطت تعجب الناس من أمر سقوطها ولكن ما من أمة حزنت عليها.