إذا جن الليل وقع الحرب بين النوم والسهر فكان الشوق والخوف في مقدمة عسكر اليقظة وصار الكسل والتواني في كتيبة الغفلة فإذا حمل الغريم حملة صادقة هزم جنود الفتور والنوم فحصل الظفر والغنيمة فما يطلع الفجر إلا وقد قسمت السهمان وما عند النائمين خبر .
لو أبصرت طلائع الصديقين في أوائل الركب او سمعت استغاثة المحبين في وسط الركب أو شاهدت ساقة المستغفرين في آخر الركب لعلمت انك قد انقطعت تحت شجر أم غيلان.
واحسرتا لمنقطع دون الركب يعد المنازل .
اذا ونت الركاب في السير فبثوا حداة العزم في نواحيها يطيب لها السرى .
قام المتهجدون على اقدام الجد تحت ستر الدجى يبكون على زمن ضاع في غير الوصال و ما زالت مطايا السهر تذرع بيداء الدجى وعيون آمالها لا ترى إلا المنزل وحادى العزم يقول :
يا رفقة الليل طاب السير فاغتنموا
المسرى فمن نام طول الليل لم يصل
قطعت نياق جدهم بادية الليل ولم تجد مس التعب فالطريق إلى المحبوب لا تطول ، فيا من تستعظم أحوال القوم تنقل في المراقي لتصل .
المتعبدون بالليل يقربون إلى نوق الأبدان خيط الرقاد فإذا تناولت سد الفاقة رفعت رؤوسها فإذا الدليل على الجادة فتأخذ في السير . من النجوم الجواري مؤذن ومنها مقيم فأرباب العزائم يؤذن في محلتهم بليل ويقام لهم أول الوقت ومن دونهم يصلون في اول الوقت واهل الفتور في آخره . إذاهجمت جنود الرقاد على العيون صاح حارس اليقظة بالمتعبدين الصلاة خير من النوم وهتف رقيب المعاتبة كذب من ادعى محبتي حتى إذا جنه الليل نام عني .
فيصيح المشتاق :
سلوا الليل عني مذ تناءت دياركم
هل اكتحلت بالغمض لي فيه اجفان
إلى أن هب نسيم السحر فقام الصادح يبغي ظلام الليل فلما هم بالرحيل تشبث القوم بأذياله يبكون على فراق المحبوب فلما طلع الفجر حدا حاديه
عند الصباح يحمد القوم السرى .
ثم تمر بالمجتهدين سيارة النجوم فيبعثون مع كل فيج رسالة فتسلم أخباره إلى ركب السحر فتهب لمجيئها رياح الأسحار فيقول المنتظر إني لأجد ريح يوسف .